السياسة والجهاد أي استراتيجية؟

Page 1

‫السياسة والجھاد أي استراتيجية؟‬ ‫بحث بقلم‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪aldiqqi@hotmail.com‬‬

‫مفردات البحث‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬المقدمة‬ ‫ثانيا‪ :‬أھم مسائل التنازع واالختالف بين فريق السياسة وفريق الجھاد‬ ‫ثالثا‪ُ :‬مسلـّـمات بين يدي التنازع‬ ‫رابعا‪ :‬مقاربة فك االشتباك ما بين السياسي والجھادي‬ ‫خامسا‪ :‬الخاتمة‬

‫‪1‬‬


‫تاريخ إنجاز البحث‪:‬‬ ‫‪ ١٧‬ربيع اآلخر ‪١٤٢٩‬ھـ‬ ‫‪٢٠٠٨/٤/٢٣‬م‬

‫أوال ‪ :‬المقدمة‬ ‫إن الحمد> تعالى والصالة والسالم على رسول الھدى محمد بن عبدﷲ الذي بلغ الرسالة‬ ‫وأدى األمانة ونصح األمة وكشف ﷲ عز وجل به الغمة وترك أمته على المحجة‬ ‫البيضاء ليلھا كنھارھا ال يزيغ عنھا إال ھالك‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫فأستشھد في مقدمة ھذا البحث بما استشھد به اإلمام ابن تيمية رحمه ﷲ تعالى ‪-‬وأين أنا‬ ‫منه‪ -‬في مقدمة كتابه‪ :‬السياسة الشرعية في إصالح الراعي والرعية وذلك عندما أشار‬ ‫إلى قول الخالق عز وجل في كتابه الكريم‪) :‬لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معھم‬ ‫الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم‬ ‫ﷲ من ينصره ورسله بالغيب إن ﷲ قوي عزيز( الحديد‪٢٥:‬‬ ‫وھي إشارة علمية دقيقة كيف ال وقد أتت من شيخ اإلسالم رحمه ﷲ ففي اعتقادي أنه‬ ‫أراد أن يشير في مقدمته إلى احتواء السياسة الشرعية على جانب النظر السياسي وجانب‬ ‫اإلسناد الجھادي حتى تستقيم الحياة بھما وحول تفسير اآلية يقول القرطبي‪):‬أرسلنا رسلنا‬ ‫وأنزلنا معھم الكتاب ‪ ،‬وھذه األشياء ‪ ،‬ليتعامل الناس بالحق‪ ،‬وليعلم ﷲ من ينصره‬ ‫وليرى ﷲ من ينصر دينه)و( ينصره ورسله بالغيب قال ابن عباس‪ :‬ينصرونھم ال‬ ‫يكذبونھم ‪ ،‬ويؤمنون بھم بالغيب أي وھم ال يرونھم (انتھى‪.‬‬ ‫وإن أھم ما يحتاجه المسلمون في ھذه المرحلة المدلھمة من تاريخھم أن يتداعى العلماء‬ ‫والحكماء ومن وھبھم ﷲ عز وجل القدرة على التأصيل الشرعي إلنارة المبھمات وفك‬ ‫‪2‬‬


‫المعضالت بغية مقاربة الفتن التي تضرب ساحات المسلمين والسعي لتجديد وبلورة‬ ‫االجتھادات التي تتعلق بمسائل التعامل مع تلك الفتن وتطويعھا في مسيرة النھضة‬ ‫الشاملة‪ ،‬وقد يقول قائل‪ :‬أوليست الساحة اإلسالمية مألى باالجتھادات المختلفة والكثيرة‬ ‫فما الجديد؟ والجواب‪:‬بلى ولكن! ولكن تلك االجتھادات على فضلھا وتنوعھا فإني أزعم‬ ‫أن أمرا خطيرا بات يھددھا؟ وھو سيطرة االنغالق على كل اجتھاد وعدم وجود قنوات‬ ‫استطراقية فيما بينھا )أخذا من نظرية األواني المستطرقة في الفيزياء( مع ﺿعف‬ ‫واختفاء أصحاب االتجاه الثالث إن صح التعبير وھم الذين يقفون موقفا وسطا بين‬ ‫االجتھادين ويفتحون بموقفھم ھذا قنوات الحوار والصلح والتواصل بين فئتين عظيمتين‬ ‫من أمة محمد صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬وھو حوار أولى وأھم من أي حوار آخر يمكن أن‬ ‫ينشط له المسلمون اليوم‪.‬‬ ‫وإن التشخيص المبدئي يشھد بأن الواقع العملي لالجتھادات المعاصرة في ساحة‬ ‫المسلمين قد آل إلى انقسام بين اتجاھين اساسيين واﺿحين أحدھما قد انغلق في الرؤية‬ ‫السياسية لحل أزمات المسلمين وركز في معالجة أمور المسلمين على األصول الفقھية‬ ‫التي تقول بمنع الضرر ورفعه وموازنة المصالح ومنع المفاسد قدر اإلمكان والتدرج في‬ ‫إصالح واقع المسلمين إلى غير ذلك مما يندرج تحت االجتھاد الذي تبلور في الربع‬ ‫األول من القرن الخامس عشر الھجري والذي يمكن توصيفه بنظرية تغيير واقع‬ ‫المسلمين باستخدام الديموقراطية والمشاركة السياسية وكذا نظرية إدارة األزمات‬ ‫والتعامل مع االنھيارات‪ .١‬ولعل مما فاقم في انغالق أصحاب ھذا الطرح واالجتھاد على‬ ‫اجتھادھم ما رأوا من مآالت االجتھادات التغيرية األخرى والعنت الذي لحقھا واجتماع‬ ‫النظام الدولي والنظم السياسية في بالد المسلمين على حرب ومواجھة فريق الطرح‬ ‫الجھادي‪.‬‬ ‫‪ -1‬يمكن الرجوع إلى فصل نظريات التغيير في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي للمؤلف‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫وأما االتجاه اآلخر فقد انغلق في مسار المعالجة الجھادية وما يدعم ذلك من أصول‬ ‫وثوابت اإلسالم وما أبرزه واقع المسلمين من تحكم الكفرة في ساحاتھم السياسية‬ ‫واالقتصادية بل وحتى الثقافية والفكرية بناء على الرؤية األمريكية والواقع الذي فرﺿه‬ ‫النصارى في بالد المسلمين في المشرق والمغرب‪ ،‬وبناء على ھذا المسار وھو المسار‬ ‫الجھادي فقد أصبح كثير ممن يتبنون ھذا االجتھاد في إصالح واقع المسلمين يرون بأن‬ ‫أي جھد ال يصب في ساحة الجھاد المباشر ھو جھد في غير محله‪ ،‬وقد ﺿاعت بين كال‬ ‫االجتھادين حقائق ھامة وخطيرة بل إن صفوف المسلمين قد تخلخلت تخلخال بات يھدد‬ ‫المصلحة العليا لألمة في الصميم‪ ،‬ولعل العراق ومن قبله الجزائر قد مثال قمة ذلك‬ ‫التناقض بين الفريقين‪ .‬ومما فاقم في انغالق أصحاب ھذا الطرح واالجتھاد على طرحھم‬ ‫رؤيتھم لمآالت االجتھادات السياسية من دوران في نفس المكان وقدرة المنافسين سواء‬ ‫من النظم السياسية أو النظام الدولي )النصراني بامتياز( على شطب وتأخير تأثير‬ ‫اإلسالم السياسي أو توظيفه في المسار العام الستراتيجياتھم ـ وھو األسوأ‪ -‬كما حصل‬ ‫في فلسطين والجزائر)حماس فلسطين وجبھة اإلنقاذ الجزائرية مثاالن على الشطب(‬ ‫وكما ھو حاصل في تركيا والعراق)حزب العدالة التركي والحزب اإلسالمي العراقي‬ ‫مثاالن على التوظيف(‪.‬‬ ‫ومن باب تكامل عرض الصورة الكلية المتعلقة بھذا المبحث فإنه يلزم أن نشير إلى‬ ‫حقيقة ھامة في ھذه المقدمة وھي أن ھناك كتال إسالمية آخرى من غير الفريقين المشار‬ ‫إليھما سابقا قد باتت تقف موقفا مبھما ليس له انتماء ال إلى فريق االجتھاد السياسي وال‬ ‫إلى فريق االجتھاد الجھادي في التغيير واألمر بالمعروف والنھي عن المنكر ‪ -‬دون أن‬ ‫نقلل من جھود الدعاة والعاملين لإلسالم‪ -‬وارتضت ھذه الكتل والتجمعات أن تبقى‬ ‫صامتة وأن تمارس دورا مبھما بل ھو أقرب إلى دور المنسحب من الساحة الذي آثر‬

‫‪4‬‬


‫السالمة والنظر من بعيد وذھب بعضھم أبعد من ذلك عندما عمد إلى تفكيك تجمعه‬ ‫وإلغاء شاراته وراياته ونسيان تاريخ دعوته وترك ثغوره بال حراسة وال أمر بمعروف‬ ‫وال نھي عن منكر بحجة أن الظروف السياسية واألمنية ال تسمح وأن الخطر داھم فكان‬ ‫كمن رﺿي من الغنيمة باإلياب وكمن قبل أن يكون شاھد زور على تدھور األوﺿاع‬ ‫وﺿياع السمات اإلسالمية في بالده مما يقتضي سرعة التوبة والتحول قبل أن تحل النقم‬ ‫ويعم البالء ويكثر الخبث‪ ،‬فعن زينب ابنة جحش رﺿي ﷲ عنھا قالت ‪) :‬أن النبي صلى‬ ‫ﷲ عليه وسلم دخل عليھا فزعا يقول ال إله إال ﷲ ويل للعرب من شر قد اقترب فتح‬ ‫اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل ھذه وحلق بإصبعه اإلبھام والتي تليھا قالت زينب‬ ‫بنت جحش فقلت يا رسول ﷲ أنھلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث(‪ .‬رواه‬ ‫البخاري‬ ‫وإن مما تركه لنا السابقون من علم يقول‪ :‬إن من أصول الفقه أن األمر كلما ﺿاق اتسع!‬ ‫أفال يدعونا بل ويجبرنا ھذا الضيق الذي نعاني منه واالنغالق الشديد بين االجتھادات‬ ‫التطبيقية المعاصرة أن نتوسع فيما وسع ﷲ تعالى لنا؟ أولم يدلنا رسول ﷲ صلى ﷲ‬ ‫عليه وسلم على ھذه السعة عندما عقد صلح الحديبية مع كفار قريش وفي نفس الوقت‬ ‫تابع بعض من أصحابه مقاتلة قريش بال ھوادة؟ وھم عصابة أبي جندل وأبي بصير؟ وال‬ ‫أقصد أن أعقد مقارنة أو أن أنزل ذلك الحدث تنزيال مباشرا على واقعنا المعاصر ولكني‬ ‫أدعو إلى البحث عن المخارج الشرعية بل األداء الشرعي الدقيق والذي يقرب صفوف‬ ‫المسلمين ويرصھا ويجعلھا تخدم أھدافا موحدة وإال فما أسھل التنازع وأن يذھب كل‬ ‫فريق منا مغاﺿبا وقاطعا رحمه بسبب اختالف االجتھاد!‬ ‫وعليه فإن من أوجب واجبات العلماء في وقتنا ھذا أن يتأملوا في كيفية ترويض الفتن‬ ‫والتعامل معھا ال الھروب منھا واالكتفاء بالتحذير منھا وأن ال يتركوا مصير األمة يتقرر‬

‫‪5‬‬


‫في ساحات أمم الكفر شرقا وغربا وال في دھاليز ومغارات أھل النفاق الذين يزيدونھا‬ ‫ذلة على ذلتھا ووھنا على وھنھا؟ وھاھنا شرط مبدئي للفالح والنجاح في تطبيق وتبني‬ ‫ھذه السياسة أعني سياسة ترويض الفتن بل واستثمارھا وذلكم الشرط أن نعي أن الفتن‬ ‫إنما تخرج من كھوف الذئاب الكافرة من نصارى ويھود ثم من مغارات الثعالب المنافقة‬ ‫والذين نجحوا مرحليا في إلصاق صفة اإلرھاب والتطرف بالمجاھدين زورا وبھتانا‬ ‫بينما ھم يفتنون المسلمين عن دينھم صباح مساء وبشتى الوسائل‪ ،‬كما فعل سابقوھم‬ ‫عندما ألصقوا صفة القتل وتجاوز الحرمات بالصحابة رﺿوان ﷲ عليھم وعيروھم بقتل‬ ‫أحد المشركين في الشھر الحرام عندما قتلت سرية عبدﷲ بن جحش رﺿي ﷲ عنھم‬ ‫عمرو بن الحضرمي في آخر يوم من رجب قبيل معركة بدر حيث نزل في ذلك قول ﷲ‬ ‫عز وجل‪) :‬يسألونك عن الشھر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبيروصد عن سبيل ﷲ‬ ‫وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أھله منه أكبر عند ﷲ والفتنة أكبر من القتل وال‬ ‫يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت‬ ‫وھو كافر فأولئك حبطت أعمالھم في الدنيا واآلخرة وأولئك أصحاب النار ھم فيھا‬ ‫خالدون(البقرة‪.٢١٧:‬‬ ‫إذن فھي إدارة الفتن كما أدارھا أبوبكر رﺿي ﷲ عنه والتصدي لھا وتذليل صھواتھا‬ ‫كما ذللھا وأدارھا من بعده الكثيرون من قادة المسلمين في المشرق والمغرب وھي‬ ‫المقاربة بين السياسة والجھاد في ظل تصورات التمكين لدين ﷲ عز وجل ولن يجدينا‬ ‫نفعا أن نقوم بدور التحذير من الفتن والھروب منھا إال إذا وصلت بنا الحال إلى النقطة‬ ‫التي سأل عنھا حذيفة بن اليمان رﺿي ﷲ عنه رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عندما‬ ‫قال‪.....) :‬فإن لم يكن لھم جماعة وال إمام؟ قال‪ :‬ولو أن تعض على أصل شجرة حتى‬ ‫يدركك الموت وأنت على ذلك( رواه البخاري‪ .‬ومن يرﺿى من أمة محمد صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم أن تصل أمة اإلسالم إلى الحال التي رسمھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم ‪-‬‬

‫‪6‬‬


‫تنفيرا منھا‪ -‬وھي بقاء األمة وتركھا بال جماعة وال إمام؟ فما بالنا اليوم قد تسمرنا في‬ ‫أمكنتنا ننتظر الفتح القطري والمكاني والحكومي وقد تعولمت قضايا األمم كلھا وننتظر‬ ‫المنظمات الكسيحة العالمية منھا واإلقليمية وقد اتخذھا الفاعلون على الساحة الدولية‬ ‫ممسحة لما علق بأقدامھم من طين وغبار المغالبة والمدافعة الدولية!‬ ‫إن ھذا البحث يأتي مكمال وداعما لما سبقه من بحوث في نفس السياق وھو سياق الرؤية‬ ‫الشاملة وبعيدة المدى أو ما يطلق عليه بالرؤية االستراتيجية للمشروع اإلسالمي‬ ‫المعاصر وھذه البحوث ‪ -‬لتذكير القاريء الكريم الذي لم يسبق له اإلطالع عليھا‪-‬‬ ‫كالتالي‪:‬‬ ‫‪ -١‬كتاب مالمح المشروع اإلسالمي‬ ‫في الربع الثاني من القرن الخامس عشر الھجري‪.‬‬ ‫طباعة ونشر مؤسسة الريان ‪ -‬لبنان‬ ‫والكتاب متوفر على الموقع التالي‪:‬‬ ‫‪www.malamehbook.com‬‬ ‫‪ -٢‬بحث بعنوان‪ :‬التدافع األممي واالمبراطوري‬ ‫مضيق ھرمز نموذجا‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫ثانيا‪ :‬أھم مسائل التنازع واالختالف بين فريق السياسة وفريق الجھاد‪.‬‬ ‫ويمكن الوقوف على أھم مسائل التنازع واالختالف بين فريق السياسة وفريق الجھاد من‬ ‫خالل استعراض رؤية كل فريق ونقده لآلخر كما يلي‪:‬‬

‫رؤية ونقد فريق االجتھاد السياسي لفريق االجتھاد الجھادي‬ ‫أما النقد الموجه لفريق األداء الجھادي من قبل فريق األداء السياسي والذي باتت تمثله‬ ‫شرائح واسعة من قيادات العمل اإلسالمي كحركة مجتمع السلم الجزائرية )حمس(‬ ‫وحزب العدالة والتنمية المغربي وحركة اإلخوان المسلمين في مصر وفروعھا في‬ ‫مواقع مختلفة من العالم كالتجمع اليمني لإلصالح في اليمن وحزب العمل اإلسالمي في‬ ‫األردن وغيرھا والجماعة اإلسالمية في باكستان وغير أولئك كثير على مستوى األمة‬ ‫المسلمة‪ ،‬ويمكن بكثير من التحفظ أن نضم إليھم حزب العدالة والتنمية التركي والحزب‬ ‫اإلسالمي العراقي وذلك بسبب ما ذھب إليه ھذان الحزبان من تجاوز لثوابت األداء في‬ ‫المنھج اإلسالمي وبالتحديد تفريطھما في تعاملھما مع أعداء المسلمين المحاربين وھم‬ ‫األمريكان والقبول بخدمة األھداف االستراتيجية األمريكية في ما بات يعرف بمنطقة‬ ‫الشرق األوسط مما وفر لألمريكان نماذج ناجحة )‪ (models‬على التعاون األمريكي مع‬ ‫الحركات اإلسالمية وحتى يسھل تسويق االستراتيجية األمريكية في السيطرة على‬ ‫المنطقة‪.‬‬

‫‪8‬‬


‫وإن رؤية ھذا الفريق الناقدة لألداء الجھادي يمكن استعراضھا فيما يلي من‬ ‫نقاط‪:‬‬ ‫‪ -١‬ال اعتراض عند نسبة ال بأس بھا من فريق العمل السياسي على وﺿع الرؤية‬ ‫الجھادية موﺿع التطبيق في المواقع التي تحققت فيھا مستلزمات الجھاد كالساحة‬ ‫الفلسطينية والعراقية واألفغانية وغيرھا والتي يوجه السالح فيھا للعدو الكافر المحارب‬ ‫ولكن الخالف ھو في تطبيق ھذه الرؤية في ساحات الدول اإلسالمية والتي نتج عنھا‬ ‫مواجھات غير متكافئة فضال عن التعرض لدماء المسلمين‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يقول فريق السياسة‪ :‬ال تتيح الرؤية الجھادية االجتھادية والتي تبلورت فيما اصطلح‬ ‫عليه بالسلفية الجھادية في عالم اليوم أي فرصة لآلخرين ومن غير الملتزمين بالخط‬ ‫الجھادي مجاال للمشاركة في إصالح أوﺿاع المسلمين وإدارة شؤونھم فإما أن يلتحق‬ ‫الناس بالخط الجھادي المباشر وإال فعملھم ‪ -‬حسب ذلك االجتھاد‪ -‬ال قيمة له وفي ھذا‬ ‫تضييق لواسع‪.‬‬ ‫‪ -٣‬ويقول فريق السياسة‪ :‬لقد اﺿطر السائرون على المنھج الجھادي المعاصر إلى‬ ‫اﺿيق السبل فھم مالحقون في كل مكان ومحاربون على كل األصعدة مما ﺿيق من‬ ‫فرص الدعوة واإلصالح وأوقع بقية التجمعات والحركات اإلسالمية في عداوة وحساسية‬ ‫مع دول العالم خاصة المھيمنة منھا على العالم كالواليات المتحدة األمريكية وكذلك مع‬ ‫النظم السياسية التي تحكم العالم اإلسالمي ومنع وقلص من فرص اإلصالح السياسي‬ ‫والتحرك على المسار الديموقراطي‪.‬‬ ‫‪ -٤‬ويقول فريق السياسة‪ :‬لقد قام السائرون على المنھج الجھادي المعاصر بعولمة‬ ‫أدائھم الجھادي مما شحن األرض كلھا بتوترات في مختلف بقاع الدنيا وأوقع المسلمين‬ ‫في مواجھة ال قبل لھم بھا كما أدت عملية العولمة ھذه إلى تحييد قدرة أھل البالد من‬ ‫المسلمين في التعامل مع قضاياھم المباشرة كما ھو حاصل في العراق اآلن بتدخل‬

‫‪9‬‬


‫جماعة القاعدة وتحويل العراق إلى ساحة مفتوحة للمواجھة العالمية وبالتالي فقد خرج‬ ‫العراق من كونه أزمة عراقية بحتة وأفقد أھله فرصة التعاطي وفق حدودھا‪ ،‬إﺿافة إلى‬ ‫إعالنھم لدولة إسالمية من جانب واحد وھو ما أثار تحفظ شرائح واسعة من المسلمين‬ ‫العراقيين‪ ،‬والنموذج الثاني ھو النموذج الباكستاني حيث قامت طالبان أفغانستان بإعادة‬ ‫تصدير نفسھا إلى باكستان مما جعل الساحة السياسية الباكستانية في احتقان دائم وأثر‬ ‫على االستقرار السياسي فيھا‪.‬‬ ‫‪ -٥‬ويقول فريق السياسة‪ :‬لقد تعدى بعض الجھاديين حدودھم عندما استحلوا دماء‬ ‫المخالفين من المسلمين في العراق سواء ممن التحق بالشرطة أو من قبل بالتعاون مع‬ ‫األمريكان والحكومة العراقية من مشايخ القبائل وابنائھا ففتحوا بھذا االستحالل للدماء‬ ‫بابا خطيرا في المسيرة اإلسالمية المعاصرة‪.‬‬ ‫‪ -٦‬ويقول فريق السياسة‪ :‬في الوقت الذي يسعى العالم كله نحو التنمية االقتصادية وإيجاد‬ ‫الحلول للشعوب فإن األداء الجھادي يؤدي إلى تخريب البيئات المستقرة والقادرة على‬ ‫بناء النظم التنموية فكيف يمكن للمسلمين أن يمارسوا حياتھم في ظل ھذا التوتر‪.‬‬ ‫‪ -٧‬ويقول البعض من فريق السياسة‪ :‬لقد اﺿطر المجاھدون المعاصرون ونتيجة لضيق‬ ‫الساحات التي يقفون عليھا إلى تحالفات تحفھا المخاطر من كل الجوانب كالتحالف القائم‬ ‫بين المجاھدين في فلسطين وإيران مما جعلھم أسرى للدعم اإليراني‪ ،‬وأسرى للتغيرات‬ ‫في معطيات الصراع الدولي بين إيران وأمريكا‪ ،‬ثم لماذا وفي سبيل تنفيذ الرؤى‬ ‫الجھادية يسلك المجاھدون كل السبل المتاحة للتحالف مثلما فعلت حماس بسعيھا نحو‬ ‫روسيا ونحو أوروبا كما أظھرت جماعة القاعدة شيئا من لين الجانب أو السكوت تجاه‬ ‫إيران في مرحلة من المراحل بل إن الشيخ الظواھري قد ترك الباب مواربا لفترة من‬ ‫الزمن لتحالف شيعي سني في مواجھة أمريكا‪ ،‬ولما أتي الدور على الفريق السياسي‬ ‫واﺿطر لتوسيع دوائر تحالفاته يقابل ذلك بالرفض والتعيير بحجة الوالء والبراء؟‬

‫‪10‬‬


‫‪ -٨‬ويقول فريق السياسة‪ :‬وإن من أھم المآخذ على المسيرة الجھادية المعاصرة ھو‬ ‫التصادم مع األنظمة السياسية في العالم العربي واإلسالمي وما صاحب ذلك من تزعزع‬ ‫وعدم استقرار واستحالل لدماء المسلمين المنتمين للجيوش والقوات األمنية‪.‬‬ ‫‪ -٩‬ويقول فريق السياسة‪ :‬يلغي الجھاديون المعاصرون عدا حماس في فلسطين أية‬ ‫فرصة للحوار والتواصل مع أمم الغرب ويعتبرونه خارج اإلطار الشرعي في ظل‬ ‫المواجھة التي يسيرون عليھا خاصة بعد أن اتخذ الجھاديون ساحات الغرب مواقع‬ ‫للمواجھة والحرب كما حصل في ‪ ١١‬سبتمبر في أمريكا وكما حصل في اسبانيا‬ ‫وغيرھا‪ ،‬وھذه السياسة تحد من فرصة الدعوة والحوار والتفاھم الدولي وھي ساحة‬ ‫ينبغي أن ال يغيب عنھا المسلمون‪.‬‬

‫وأما رؤية الفريق الجھادي ونقده الطروحات وممارسة الفريق السياسي‬ ‫فيمكن استعراضھا في المسائل التالية مع العلم بأن الفريق الجھادي ليس كله كتلة‬ ‫واحدة فھناك بعض الفروق الملموسة ما بين أداء المجاھدين في فلسطين وأداء بقية‬ ‫الفريق الجھادي المتمثل في جماعة القاعدة واطروحات المجموعات التي اصطلح عليھا‬ ‫بالسلفية الجھادية مع التقاء الجميع في ساحة ھموم ومعاناة واحدة ومتشابھة وعدو‬ ‫مشترك واحد ھو اإلمبراطور األمريكي وحلفاؤه وأما المسائل فھي‪:‬‬ ‫‪ -١‬يقول بعض من فريق الجھاد‪ :‬لقد ﺿيع فريق األداء السياسي وفرط في مسألة الوالء‬ ‫والبراء واعتماد الموازين الشرعيةفي رؤية األمور ولم يعد يضع خطوطا واﺿحة‬ ‫ومحددة من توجيه بوصلة العداء تجاه أمم الكفر وخاصة من يناصب األمة المسلمة‬ ‫العداء والحرب وھم األمريكان على وجه الخصوص‪ ،‬وبتمييع ھذه الركن من مسائل‬ ‫العقيدة اختلطت األمور على األمة المسلمة مما صعب عملية االصطفاف العقائدي وحشد‬ ‫الطاقات‪ ،‬وإن دخول الحزب اإلسالمي في العراق في العملية السلمية المزورة ما جاء‬

‫‪11‬‬


‫إال نتيجة لھذا الخلل البين في مسألة الوالء والبراء ونتيجة لنظرة قاصرة في تحديد‬ ‫المصلحة الظنية أمام المفاسد الھائلة واليقينية المتحققة في ساحة العراق‪.‬‬ ‫‪ -٢‬ويقول فريق الجھاد‪ :‬ونتيجة للمسألة األولى السابقة فقد أوغل فريق األداء السياسي‬ ‫في طريق تقدير المصلحة المرجوحة في عالقته باألنظمة السياسية والعملية‬ ‫الديموقراطية حتى أصبحت األحزاب السياسية اإلسالمية في العالم العربي واإلسالمي‬ ‫مجرد ورقة تلعب بھا الحكومات وتتكيءعليھا كشرعية دينية وسياسية وتدغدغ بھا‬ ‫عواطف المسلمين بينما لم تعط المشاركة السياسية أثرا حقيقيا غير الدوران في فلك‬ ‫أنظمة الكفر العالمي كما ھو واﺿح ومشاھد لدى حزب العدالة والتنمية التركي والذي‬ ‫أصبح يقود تركيا في لعبة الحرب األمريكية في منطقة الشرق األوسط وفق رؤية‬ ‫العلمانيين في الداخل ورؤية األمريكان في الخارج دون أن يكون لديه أية رؤية إسالمية‬ ‫استراتيجية تحدد دور تركيا المسلمة وال يغير من األمر الدعاية اإلعالمية في موﺿوع‬ ‫الحجاب والمناكفة الشكلية المستمرة بين حزب العدالة والعلمانيين األتراك فالعامل‬ ‫المتحكم في الموقف ھو مدى رﺿا األمريكان واألوربيين عن ھذا الحزب‪.‬‬ ‫‪ -٣‬ويقول فريق الجھاد‪ :‬وھل ھناك افق في عملية المشاركة السياسية حتى في حال‬ ‫الوصول للحكم عن طريق الديموقراطية إال األفق العالمي الذي تحكمه امريكا وحينئذ‬ ‫فإما الصدام مع أمريكا وھو ما ال يقوى عليه الفريق السياسي أو السير في ركاب امريكا‬ ‫وخدمة أھدافھا وتضييع مصالح األمة ألنه ال يمكن الجمع بين مصلحة النصارى‬ ‫والمسلمين في سلة واحدة‪.‬‬ ‫‪ -٤‬ويقول فريق الجھاد‪ :‬وھل بقي لدى األنظمة السياسية ما تبشر به أو تعطيه للمسلمين‬ ‫أو تحققه من مصلحة لھم وبالتالي فھل من مصلحة المسلمين أن تطول أعمار ھذه‬ ‫األنظمة بمشاركتھا ورفع لواء شرعيتھا عبر المشاركة أو أن تسقط؟ خاصة في ظل‬ ‫ثبوت تعلق ھذه األنظمة بأعداء المسلمين وقيامھم على اعتراف الكفار بھم ودعمھم وقد‬

‫‪12‬‬


‫بان ذلك واﺿحا عندما وافقت األنظمة على الغزو األمريكي للعراق عام ‪٢٠٠٣‬م بل‬ ‫وشاركت فيه بشكل أو بآخر‪.‬‬ ‫‪ -٥‬ويقول فريق الجھاد‪ :‬ناھيك عن تعقيدات اللعبة الديموقراطية وسيطرة المؤسسات‬ ‫العسكرية واألمنية على األوﺿاع السياسية في العالم اإلسالمي وبقاء مسألة المشاركة‬ ‫السياسية رھينة بھوامش ﺿيقة يلعب بھا الجنراالت كما ھو مشاھد في باكستان‬ ‫والجزائر وغيرھا‪.‬‬ ‫‪ -٦‬ويقول بعض من فريق الجھاد‪ :‬لقد عطلت المشاركة السياسية التحاق أبناء المسلمين‬ ‫بالمسيرة الجھادية المعاصرة وذلك بالتخليط والوھم الذي أدخلته إلى عقول المسلمين‬ ‫وإعطاء الوعود بمستقبل أفضل من خالل تلك المشاركة بينما لم يحصد المسلمون إال‬ ‫الفقر واإلخراج من بالدھم‪.‬‬ ‫‪ -٧‬ويقول بعض من فريق الجھاد‪ :‬إن المشاركة البرلمانية إنما ھي مشاركة في تأصيل‬ ‫الشركيات وعدم تطبيق الشرع الحنيف وإقرار من المشاركين بتقديم األسس‬ ‫الديموقراطية والوطنية على األسس اإلسالمية وھذا مما يعقد واقع المسلمين وال يصلحه‬ ‫كما يدعي المشاركون‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ويقول فريق الجھاد‪ :‬بالرغم من تشدق جماعات اإلسالم السياسي بحق المسلمين في‬ ‫المقاومة المسلحة ومشروعيتھا لكن ھذا الموقف ال يتعدى الحديث السياسي والنصرة‬ ‫المعنوية في الوقت الذي تبدي فيه أغلب تلك الجماعات استعدادھا للتعامل السياسي‬ ‫والمصلحي مع األمريكان كأمر واقع‪.‬‬ ‫‪ -٩‬ويقول فريق الجھاد ‪ :‬وھل تركت األنظمة السياسية من ھامش للتفاھم معھا أو‬ ‫االلتقاء على مصلحة ما للمسلمين حتى يمكن تجنب االصطدام بھا؟ أو لم توظف النظم‬ ‫السياسية كل امكاناتھا لمسح التأثر اإلسالمي الدعوي في ساحات المسلمين وفق رؤية‬ ‫جورج بوش؟ وعلى الجانب اآلخر ھل يمكن لحاملي اللواء الجھادي أن يقوموا بواجبھم‬ ‫الجھادي ﺿد الكفار المحاربين دون أن يصطدموا ولو جزئيا بالنظم السياسية المرتبطة‬

‫‪13‬‬


‫بالكفار؟ أولم تذھب حماس كل الشوط في سبيل إنجاز أدنى المستويات من التفاھم مع‬ ‫نظام السلطة )األوسلوية( فماذا كانت النتيجة؟ أوال يدل نموذج حماس والسلطة‬ ‫الفلسطينية على استحالة التجنب الكامل لالصطدام بالنظم السياسية في العالم اإلسالمي؟‬

‫ثالثا‪ :‬مسلمات بين يدي التنازع‬ ‫إن من أھم مداخل فھم واستيعاب خارطة الفتن المعاصرة التي تلف الساحة اإلسالمية أن‬ ‫نبدأ باستعراض المسلمات التي يمكن االلتقاء عليھا في النظر إلى مكونات الفتن‪ ،‬ومن‬ ‫المسلمات التي يمكن استعراﺿھا في ھذا الشأن ما يلي‪:‬‬ ‫المسلمة األولى‪ :‬معلوم بأننا ال نستطيع أن نعزل اختالف التوجھات اإلسالمية في معالجة‬ ‫أزمات األمة الكبرى عن الصورة الكلية التي عليھا األمة وما تعانيه من مدلھمات وال‬ ‫يمكن رؤية ذلك الخالف وتمحيصه وكشف غمته دون ربطه بالواقع فقد تأسسس عليه‬ ‫وارتبط به‪ ،‬فإذا نظرنا للخالف في ظل الواقع أمكن التعامل مع ذلك الخالف من حيث‬ ‫المبدأ‪ ،‬فثمة أمة تربوا على المليار مسلم ال راعي لھا وقد تداعت عليھا األمم من كل‬ ‫حدب وصوب‪ ،‬وثمة مصالح عليا مضيعة لھذه األمة ومنھا مقدسات مغتصبة‪ ،‬وثمة‬ ‫أنظمة سياسية تحكمھا وال تستطيع تحقيق اي قدر من قائمة المصالح العليا لھذه األمة‬ ‫وثمة تجارب إسالمية نتجت عن رؤى وتجارب استغرقت ما يقرب من ثالثة أرباع‬ ‫القرن وھي تجارب قد راكمت خبرات معينة وباتجاھات محددة ال يمكن تجاھلھا‪.‬‬ ‫المسلمة الثانية‪ :‬ومعلوم بأن غياب المرجعية اإلسالمية عن الحكم والسياسة في واقع‬ ‫المسلمين يمثل قمة جبل الجليد في ساحة المسلمين من الضعف والوھن‪ ،‬وبفقد ھذه‬ ‫المسطرة أصبحت المقاييس ﺿائعة ومبعثرة وال ﺿابط لھا وأصبح الواقع اإلسالمي‬

‫‪14‬‬


‫مرتبط ببقية األمم التي تملك مرجعية عقائدية ترسم مسيرتھا وتحدد موقعھا بين األمم‪،‬‬ ‫ومن أھم القضايا والمسائل التي انعكس عليھا غياب اإلمامة ھو عمق الخالفات‬ ‫اإلسالمية بين االجتھادات المعاصرة إذ ال مرجع وال ميزان ينھي الخالف ويلزم الفرقاء‬ ‫برؤية واجتھاد تجمع عليه األمة وتدعمه‪ ،‬ومن أخطر نتائج فقد المرجعية السياسية في‬ ‫واقع المسلمين تحقق االستضعاف الشامل في واقع المسلمين وتطرق ھذا االستضعاف‬ ‫إلى كل الشؤون فلم يتمكن المسلمون بناء على ھذا االستضعاف أن يجدوا لھم مكانا في‬ ‫قائمة األمم المتنافسة على وجه البسيطة ال في الميدان االقتصادي وال العلمي فضال عن‬ ‫الميدان السياسي والعسكري‪ ،‬ومعلوم أن ھذا االستضعاف ليس وليد الساعة بل يمتد لما‬ ‫يزيد عل القرن إذا أخذنا بعين االعتبار تاريخ سقوط أخر خالفة إسالمية وھي الخالفة‬ ‫العثمانية عام ‪١٩٢٤‬م مع أن الوھن كان قد سرى في األمة قبل ذلك بكثير‪.‬‬ ‫المسلمة الثالثة‪ :‬ومعلوم أنه يترتب على االستضعاف من الناحية الشرعية أحكام ذات‬ ‫طبيعتين مختلفتين فأحكام تعطي للمستضعفين أعذارا تراعي أوﺿاعھم والضرورات‬ ‫التي يتلبسون بھا نتيجة لالستضعاف وأحكام أخرى تدعو المستضعفين إلى البحث عن‬ ‫المخارج وﺿرورة العمل على تغيير االستضعاف والتلبس بالحاالت التي تلي‬ ‫االستضعاف من المدافعة ومن ثم التمكين كما ورد في قول ﷲ عز وجل‪):‬إن الذين‬ ‫توفاھم المالئكة ظالمي أنفسھم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في األرض قالوا ألم‬ ‫تكن أرض ﷲ واسعة فتھاجروا فيھا فأولئك مأواھم جھنم وساءت مصيرا(النساء‪.٩٧:‬‬ ‫فإن االتجاه العام ألحكام االستضعاف إنما يؤسس لمراحل من التغيير والمجاھدة وال‬ ‫يؤسس للرﺿا بالواقع والتعامل معه وال يعطي للمسلمين العذر في ترك األرض ساحة‬ ‫مفتوحة للكفار يتصرفون فيھا كيف شاءوا‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫المسلمة الرابعة‪ :‬ومعلوم أن األمم على وجه البسيطة تحركھا مبادؤھا وعقائدھا للبحث‬ ‫عن مكان آمن ومسيطر على األرض ومن ثم فھي في تدافع دائب وصراع مستمر قد‬ ‫يتراجع شيئا ما لكنه ال يتوقف وال يمكن للمسلمين أن يخرجوا عن ھذا القانون والسنة‬ ‫اإللھية مھما حاولت بقية األمم الكافرة أن تقنع المسلمين بعكس ھذه الحقيقة فرب العزة‬ ‫يقول‪) :‬فھزموھم بإذن ﷲ وقتل داوود جالوت وآتاه ﷲ الملك والحكمة وعلمه مما يشاء‬ ‫ولوال دفع ﷲ الناس بعضھم ببعض لفسدت األرض ولكن ﷲ ذو فضل على‬ ‫العالمين(البقرة‪ ،٢٥١:‬بل إن نشوب الصراع بين األمم الكافرة ھو في إحدى وجوھه‬ ‫بشرى للتغيير على وجه األرض يقتضي فرحا من المسلمين ألنه يضعف المتصارعين‬ ‫ويمھد لدخول حملة الحق في نظام وآلية ذلك الصراع كما بشر المولى عز وجل النبي‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم وأصحابه في قوله‪) :‬ألم‪،‬غلبت الروم‪ ،‬في أدنى األرض وھم من‬ ‫بعدھم غلبھم سيغلبون‪ ،‬في بضع سنين > األمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح‬ ‫المؤمنون‪ ،‬بنصر ﷲ ينصر من يشاء وھو العزيز الرحيم( الروم‪.٥-١:‬‬ ‫المسلمة الخامسة‪ :‬ومعلوم بأنه ال يمكن عزل الخالفات اإلسالمية الداخلية عن أخطر‬ ‫العوامل الخارجية المؤثرة مباشرة في ھذا الخالف والتنازع وھو عامل الدور النصراني‬ ‫على وجه الخصوص ولعلي أرجع بالقارئ الكريم إلى مثال ﺿارب في القدم قبل أن‬ ‫أعرض لألمثلة المعاصرة القريبة وذلك المثال حدث في السيرة المطھرة فإنه لما أمر‬ ‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بمقاطعة الثالثة الذين خلفوا من الصحابة بسبب تخلفھم‬ ‫عن جيش العسرة ومنھم كعب بن مالك رﺿي ﷲ عنه حدث أمر غريب نترك كعب‬ ‫رﺿي ﷲ عنه يرويه لنا قال كعب‪) :‬فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط‬ ‫أھل الشأم ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق‬ ‫الناس يشيرون له حتى إذا جاءني دفع إلي كتابا من ملك غسان فإذا فيه أما بعد فإنه قد‬

‫‪16‬‬


‫بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك ﷲ بدار ھوان وال مضيعة فالحق بنا نواسك فقلت‬ ‫لما قرأتھا وھذا أيضا من البالء فتيممت بھا التنور فسجرته بھا( رواه البخاري ‪.‬‬ ‫أما األمثلة الحديثة والمتعلقة بالتدخل النصراني في التأثير على الخالف اإلسالمي‬ ‫الداخلي والمتمثلة في المقام األول بالدور األمريكي في العالم اإلسالمي وبشقه‬ ‫االستخباراتي بوجه الدقة والتحديد وباصطفاف األجھزة األمنية في العالم اإلسالمي‬ ‫كدور رديف له فسأورد مثالين عليه‪ ،‬أما األول‪ :‬فالمناقلة التي حدثت للدور المصري في‬ ‫إدارة القضية الفلسطينية من وزارة الخارجية المسؤولة الطبيعية عن ھذا الملف إلى‬ ‫جھاز األمن المصري – مع أنه ال أمل وارد ال في الخارجية وال في األمن‪ -‬وما كان‬ ‫ذلك التحول إال ألن المسؤول األمني أكثر فھما واستيعابا للمراد اإلسرائيلي واألمريكي‬ ‫ومتطلباتھما من الساسة العرب فھو دور أمني في المقام األول وليس دورا سياسيا‪ ،‬وأما‬ ‫المثال الثاني على الكيد والمكر النصراني فتمثل في التحول االستراتيجي الذي أدخلته‬ ‫أمريكا في إدارتھا للملف العراقي بعد الفشل الذريع في مواجھة المقاومة المباركة بكل‬ ‫أطيافھا وبعد حصولھا على نصيحة العجوز البريطانية ومنذ ذلك الوقت رأينا كيف‬ ‫تحولت البندقية إلى الصدور المجاھدة من بني الجلدة وكيف تسنم زعيم الحزب‬ ‫اإلسالمي العراقي كرسي نائب الرئيس في جمھورية العراق من يد جورج بوش‬ ‫مباشرة‪ ،‬ومتى كان يحلم اإلسالميون المحاربون أمريكيا على كل الصعد أن يستلموا‬ ‫نيابة رئاسة دولة كالعراق؟ لكنه الكيد ومكر الليل والنھار‪.‬‬ ‫المسلمة السادسة‪ :‬ومعلوم بأن اإلسالميين المعاصرين قد قاموا بتبادل األدوار فيما بينھم‬ ‫– شعروا بذلك أم لم يشعروا‪ -‬فھم لم يقفوا في اجتھادھم عند مساحة محددة من الرؤية‬ ‫اإلسالمية والممارسة العملية بل إنھم ومنذ نشوء الرؤية اإلسالمية المعاصرة والتي‬ ‫تبلورت في األساس على يد مؤسس اإلخوان المسلمين في مصر إبان سقوط الخالفة‬ ‫اإلسالمية العثمانية فإنھم ومنذ ذلك الوقت تراوحت تجاربھم ما بين األداء السياسي‬

‫‪17‬‬


‫واألداء الجھادي‪ ،‬ففي الوقت الذي كان فيه اإلمام حسن البنا يطرح الرؤية السياسية‬ ‫لإلصالح في مصر فإنه سعى إلحداث ثورة إسالمية مسلحة في اليمن عام ‪١٩٤٧‬م‬ ‫بقيادة الفضيل الورتالني الجزائري لكنھا لم تلق النجاح‪ ،‬وعندما أعلنت القوى الدولية‬ ‫دعمھا لقيام دولة اليھود في فلسطين عام ‪١٩٤٨‬م جند اإلمام البنا أتباعه للدور الجھادي‬ ‫الذي أثر على المسيرة اإلسالمية المعاصرة ككل‪ ،‬وقد دعم اإلخوان المسلمون والسلفيون‬ ‫المعاصرون الجھاد ﺿد االتحاد السوفييتي في أفغانستان طوال ثمانينيات القرن العشرين‬ ‫وكذا قام اإلخوان المسلمون في سوريا وبدعم عالمي من اإلخوان بثورة مسلحة ﺿد‬ ‫نظام البعث النصيري في سوريا والتي وئدت في مھدھا‪ ،‬ومن ناحية أخرى وبرغم‬ ‫اعتراض االتجاه السلفي على الممارسة الديموقراطية فقد تزعم بعض من قيادات االتجاه‬ ‫السلفي في الجزائر محاولة التغيير عبر الديموقراطية في بداية تسعينيات القرن‬ ‫العشرين‪ ،‬وبرغم محاوالت اإلصالح السياسية لم تخف التجمعات اإلسالمية األساسيسة‬ ‫دعمھا للثورات المسلحة اإلسالمية في مختلف بقاع العالم كالجھاد الكشميري ﺿد‬ ‫الھندوس والجھاد الفلبيني ﺿد نصارى الفلبين والجھاد الشيشاني ﺿد الروس‪ ،‬لكن‬ ‫المفارقة الحقيقية والتباين الحاد ما بين الممارسة الجھادية والممارسة اإلسالمية إنما‬ ‫بدأت بوادرھا عندما أظھر األمريكان والغرب عموما انزعاجھم من بقايا وآثار الجھاد‬ ‫األفغاني في بداية تسعينيات القرن العشرين وأسسوا بذلك لحربھم الكونية ﺿد ما يسمى‬ ‫باإلرھاب )إقرأ الجھاد( خاصة عندما بدأت آثار ذلك الجھاد تمتد إلى البوسنة فالشيشان‬ ‫وكشمير وغيرھا‪ ،‬عندھا ھبت رياح جديدة في عالقة الساسة بالمجاھدين في الصف‬ ‫اإلسالمي المعاصر‪ ،‬وإن أھم ما يستفاد منه في عرض ھذه المسلّمة أن لباب اإلشكاليات‬ ‫اإلسالمية اليوم ال يتعلق بفرقاء العمل اإلسالمي المعاصر وال بالمسميات والمصطلحات‬ ‫المستتخدمة كمصطلح الجھاد أو السياسة أو اإلسالم السياسي أو جماعة اإلخوان‬ ‫المسلمين أو السلفية الجھادية أو جماعة القاعدة وغيرھا من المصطلحات بقدر ما يتعلق‬

‫‪18‬‬


‫بالمرجعية العقائدية للمسلمين والتي تفرض عليھم مسارات محددة في تصوراتھم وأدائھم‬ ‫العملي فماذا ھم فاعلون؟‬

‫رابعا‪ :‬مقاربة فك االشتباك ما بين السياسي والجھادي‪.‬‬ ‫إن التعقيد الذي يلف الساحات اإلسالمية ويلقي بظالله على األمة المسلمة ككل والذي‬ ‫يعبر عنه في المصطلح اإلسالمي بالفتن ليستوجب مقاربة شرعية ودراسة متأنية تسعى‬ ‫إلى تحليل وتفكيك العقد إلى مكوناتھا األولية كما فعل حذيفة بن اليمان رﺿي ﷲ عنه‬ ‫عندما كان يسأل رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم عن طبيعة الفتن ومكوناتھا في الحديث‬ ‫الصحيح بقوله‪) :‬كان الناس يسألون رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وصلم عن الخير وكنت‬ ‫أسأله عن الشر مخافة أن يدركني‪ (...‬قطعة من حديث رواه البخاري‪.‬‬ ‫ومحاولة للوصول إلى ھذه المقاربة والتصور الشرعي والفكري ـ المستمد بدوره من‬ ‫الشرعي‪ -‬فإني سوف أقوم باستعراض بعضا من األصول التي من المفترض أن تحكم‬ ‫كال من الرؤية السياسية والرؤية الجھادية معتمدا بالدرجة األولى على فرﺿية ومنطلق‬ ‫أساسي يقول بضرورة التغيير واإلصالح والعمل على التمكين لدين اإلسالم كمسار عام‬ ‫يحكم كال الرؤيتين السياسية والجھادية في العالم اإلسالمي وفق )مشروع إسالمي( غير‬ ‫مجمع عليه حتى اآلن في دفتين من التصورات وال في تحديد أھدافه الدقيقة وال في‬ ‫تحديد زمانه وال مكانه بين االتجاھين السياسي والجھادي‪ ،‬ولكني أزعم أن ظروف‬ ‫النشأة والتأسيس وتداخل المراحل وتكاثف التجارب وعظم التضحيات في بوتقة األداء‬ ‫اإلسالمي خالل النصف الثاني من القرن العشرين الميالدي تسمح بل تمكننا من تلمس‬ ‫ھذا المشروع واالستناد إلى أرﺿية صلبة مشتركة يقف عليھا العاملون لإلسالم وإن‬ ‫تنوعت مذاھبھم االجتھادية ما بين سياسي وجھادي وتربوي ومھما ﺿغطت عليھم‬

‫‪19‬‬


‫مسارات التدافع بين مشاريع البشر اآلخرين ممن قال فيھم رب العزة والجالل‪) :‬يريدون‬ ‫ليطفئوا نور ﷲ بأفواھھم وﷲ متم نوره ولو كره الكافرون(الصف‪.٨:‬‬ ‫وإن ھذه االصول التي سوف أستند عليھا لمقاربة وفك االشتباك وتحرير موﺿع الخالف‬ ‫ما بين السياسي والجھادي أزعم أنھا تشكل أرﺿية متكاملة تربط ما بين السياسي‬ ‫والجھادي بمجملھا وتقوم بوصل ما انقطع من التصورات وتفتح ما انغلق من األبواب‪،‬‬ ‫كما أني أزعم أن ھذه األصول ليس باالمكان تجاوزھا في رؤية أزمات األمة وإدراتھا‬ ‫والتعامل معھا فكيف بأدق األزمات وأخطرھا وھي عالقة السياسي بالجھادي والتي‬ ‫أوصلت إخوان األمس عقيدة ودعوة إلى أعداء اليوم سياسة وتصورا؟ وھذه األصول‬ ‫يمكن استعراﺿھا فيما يلي‪:‬‬

‫األصل األول‪ :‬العمل على إعادة تمكين اإلسالم ودولته‬ ‫فإن العمل على التمكين لدين اإلسالم في نظامه السياسي أوال ثم في بقية نظمه الشرعية‬ ‫واالقتصادية واألخالقية وغيرھا من النظم يعتبر واجبا شرعيا رئيسا وھدفا استراتيجيا ال‬ ‫يمكن الغفلة عنه وال إلقائه وراء الظھور وذلك حتى يصل المسلمون إلى تطبيق دينھم‬ ‫كما أمرھم ربھم عزوجل ووجھھم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪ ،‬خاصة في ظل‬ ‫استبدال النظام السياسي اإلسالمي بأنظمة علمانية وأنظمة ملكية تدعي اإلسالمية لكنھا‬ ‫تنتھي إلى نفس نھايات األنظمة العلمانية من حيث خضوعھا للعدو الكافر وفتح ساحات‬ ‫المسلمين يعبث بھا العابثون وفي التفريط بمقدسات المسلمين ومصالحھم العليا‪ ،‬وإذا لم‬ ‫يتقدم المسلمون نحو ھذا الھدف فإنھم يعرﺿون أنفسھم لغضب ربھم ويديمون بذلك الذلة‬ ‫التي لحقتھم في الدنيا واستمرارھا تماما كما حدث لبني إسرائيل عندما فرطوا في مھمة‬ ‫التمكين وقبلوا بالذلة والھوان‪،‬كما يعرض المسلمون أنفسھم لعذاب اآلخرة بھذا التفريط‬ ‫وھو مما أجمع عليه علماء المسلمين في حال خلو الزمان والمكان بمن يقوم بدور‬ ‫اإلمامة والقيادة لألمة المسلمة‪ ،‬خاصة بعد أن مرت على األنظمة السياسية الحالية في‬

‫‪20‬‬


‫بالد المسلمين ما يقرب من القرن دون أن تتمكن من تحصيل حق واحد مما ﺿاع من‬ ‫حقوق المسلمين ودون أن تتمكن من بسط نظام اإلسالم االجتماعي واألخالقي فضال عن‬ ‫بسط النظام السياسي واالقتصادي والعسكري‪ ،‬ومما يلحق بھذا األصل مفھوم استراتيجي‬ ‫يلزم المسلمين في سعيھم نحو إعادة اإلسالم للحياة كنظام متكامل أن يعملوا إلعادة‬ ‫أفضل النماذج والنظم السياسية التي وجھھم إليھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وھو‬ ‫نموذج الخالفة الراشدة خاصة بعد أن انھدم النظام السياسي في البالد اإلسالمية وأقصد‬ ‫بذلك الخالفة العثمانية‪ ،‬مع اإلقرار بوﺿع المسلمين االستضعافي وتمكن العدو من‬ ‫رقابھم ومع االستثناءات الشرعية للمستضعفين والتدرج في العمل والمغالبة لكن الھدف‬ ‫النھائي االستراتيجي ال بد وأن يكون ماثال للعيان‪.‬‬

‫األصل الثاني‪ :‬اإليمان بالكتاب كله وشمولية األداء اإلسالمي‬ ‫فال يمكن العمل بجانب واحد من اإلسالم العظيم وال االكتفاء بتخصصات محدودة فيه بل‬ ‫ال بد من الدفع نحو تطبيقه بكل جوانبه وھذا التطبيق تتحكم فيه مسائل كثيرة من أھمھا‬ ‫عامل االنھيار السياسي في واقع المسلمين وما تبعه من انھيارات وبعبارة أخرى الوﺿع‬ ‫االستضعافي الذي عليه المسلمون فھم قد تدرجوا في محاوالتھم التطبيقية المعاصرة‬ ‫لإلسالم العظيم فقاموا بتربية الجيل وتعليمه وتزكيته‪ ،‬وبذلوا جھودا في دعوة الكفار إلى‬ ‫ھذا الدين العظيم وتعريف العالم به‪ ،‬كما أنھم قاموا ببناء المؤسسات والتجمعات‬ ‫والتنظيمات وأمروا بالمعروف ونھوا عن المنكر ثم تعرﺿوا للسياسة والحديث في‬ ‫المصالح العامة للمسلمين ثم تعرﺿوا للنظر في المصالح العليا للمسلمين فلما وجدوا‬ ‫فرصة للتطبيق الجھادي لم يتوانوا عنه‪ ،‬وعليه فقد انقسم األداء اإلسالمي إلى ساحات‬ ‫ثالث ال تخطؤھا العين أما الساحة األولى فھي الساحة التعليمية والتربوية والدعوية وأما‬ ‫الساحة الثانية فھي الساحة السياسية وأما الساحة الثالثة فھي الساحة الجھادية‪ ،‬وقد تنضج‬ ‫بعض مواقع المسلمين فيتكامل فيھا األداء بأشكاله الثالث وقد يغلب نوع من األداء على‬

‫‪21‬‬


‫أداء آخر بحسب متطلبات الساحة وظروفھا‪ ،‬فيمكننا أن نرى بعض الساحات بالكاد‬ ‫يستطيع الناس أن يقوموا فيھا بدورھم التربوي والتعليمي والدعوي مثل أغلب الساحات‬ ‫الخليجية والساحة األوروبية‪ ،‬وساحات أخرى يرتفع فيھا السقف فيتعامل الناس بالسياسة‬ ‫والمدافعة المدنية كما ھو الحال في مصر وباكستان واليمن وغيرھا كثير‪ ،‬وساحات‬ ‫أخرى وصل الناس فيھا إلى ذروة سنام اإلسالم بعد أن تكاملت متطلبات الجھاد في تلك‬ ‫الساحات كالساحة الفلسطينية والعراقية واألفغانية والصومالية والشيشانية والكشميرية‬ ‫وغيرھا‪ .‬ويلحق ھذا األصل أن نذكر بأن للزمن دوره في تكاثف الخيرية في األمة‬ ‫المسلمة ووصول الدفع إلى مرحلة التغيير الكاملة وبالتالي فال بد من التدرج للوصول‬ ‫إلى األھداف الكبرى وأنه ال يمكن للمسلمين أن يسلكوا سبيال واحدا لتغيير الحالة‬ ‫االستضعافية التي ھم عليھا بل ھو التنوع والمناقلة بين الدعوة والسياسة والجھاد‪.‬‬

‫االصل الثالث‪ :‬االعتصام بحبل ﷲ تعالى والوحدة وجمع الكلمة‬ ‫ال يمكن لفئة واحدة أن تنھض بالمھام الكبرى الواقعة على عاتق األمة المسلمة وحدھا‬ ‫وإن التظافر والتعاون وااللتقاء للقيام بتلك المھام أصل في الدين ال يمكن االعتذار عنه‬ ‫بأي سبب من االختالف في االجتھادات أو االنتماءات بكل ألوانھا وھذا األصل يقضي‬ ‫بدوره على المسلمين والعاملين لإلسالم من الجماعات واألفراد أن تتسع صدورھم‬ ‫وأفقھم الفكري والتنظيمي لكي يقبلوا بكل أنواع التجمعات التطوعية التي تھدف إلى‬ ‫خدمة اإلسالم ما دامت تصب في المصلحة العليا للمسلمين‪ ،‬وبدون توفر ھذا األصل ال‬ ‫ينفع جھاد وال سياسة في إصالح واقع المسلمين فضال عن بقية األعمال بدليل قول ﷲ‬ ‫عز وجل‪) :‬وأطيعوا ﷲ ورسوله وال تنازعوا فتفشلوا وتذھب ريحكم واصبروا إن ﷲ مع‬ ‫الصابرين(األنفال‪ ،٤٦‬وھذا الواجب بدوره يحتم على الفرقاء في الساحة اإلسالمية أن‬ ‫يعملوا عقولھم للبحث في ما آتاھم ﷲ العليم من آيات بينات وفيما تركه لھم رسولھم‬

‫‪22‬‬


‫صلى ﷲ عليه وسلم لفك اشتباكھم وتحرير مواقع خالفھم لحل إشكالياتھم وفي حال لم‬ ‫يعملوا بذلك فإنھم يعرﺿون أنفسھم للفشل وللقطيعة المفضية للفساد في األرض كما‬ ‫أخبرنا بذلك رب العزة في قوله‪) :‬فھل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في األرض وتقطعوا‬ ‫أرحامكم‪ ،‬أولئك الذين لعنھم ﷲ فأصمھم وأعمى أبصارھم‪ ،‬أفال يتدبرون القرآن أم على‬ ‫قلوب أقفالھا(محمد‪ ،٢٣-٢٢:‬فقد أورد الطبري حول تفسير ھذه اآلية نقال عن قتادة قوله‪:‬‬ ‫فھل عسيتم إن توليتم ‪ ...‬اآلية‪ ،‬يقول‪ :‬فھل عسيتم كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب‬ ‫ﷲ‪ ،‬ألم يسفكوا الدم الحرام‪ ،‬وقطعوا األرحام‪ ،‬وعصوا الرحمن‪).‬انتھى( وإن عدم السعي‬ ‫لإلصالح والتوفيق والتقارب والتكامل بين العاملين لإلسالم لھو نوع من اإلفساد في‬ ‫األرض‪ ،‬ومما يتعلق بھذا األصل تخليص وتمحيص موازين العاملين لإلسالم من‬ ‫تأثيرات أعداء المسلمين عند قياسھم ووزنھم للمصالح العليا لألمة وإال وقع الدعاة تحت‬ ‫تأثير أولئك األعداء وشاركونا ‪ -‬شعرنا أم لم نشعر‪ -‬في رسم الحالة اإلسالمية وحددوا‬ ‫لنا ما يضر وما يصلح وأسھموا في توزيعنا على مسطرتھم ما بين وسطي معتدل‬ ‫وإرھابي متطرف!‬

‫األصل الرابع‪ :‬الخالف في االجتھاد والرؤية وارد دائما حتى أمام الكليات‬ ‫فلم يقف خالف المسلمين في تاريخھم التطبيقي أمام النصوص وكيفية تطبيقھا على‬ ‫القرن الذي نحن فيه بل إن الخالف وصل في الفھم وأولويات التطبيق ووزن المصالح‬ ‫حدث في قرن الصحابة رﺿي ﷲ عنھم وأمام الرسول صلى ﷲ عليه وسلم المبلغ‬ ‫للنصوص عن رب العزة مما يدل على سعة الساحة اإلسالمية –أقصد في ظل أھل السنة‬ ‫والجماعة‪ -٢‬واستيعابھا لھذا النوع من الخالف السائغ دون أن يستمر الخالف إلى ما ال‬ ‫نھاية فعند تبين الحق وظھور الوجه األولى باالتباع فال بد للمسلمين أن ينصاعوا لما‬ ‫ظھر لھم من الحق‪ ،‬فقد حدث ذلك بين يدي غزوة بدر الكبرى في قوله عز وجل‪ ) :‬كما‬ ‫‪٢‬وذلك حتى ال يختلط األمر بفلسفة الفئات التي انحرفت عن أھل السنة في نظرتھا وتكييفھا وتأويلھا للنصوص بل وردھا‬

‫‪23‬‬


‫أخرجك ربك من بيبتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارھون يجادلونك في الحق بعدما‬ ‫تبين كأنما يساقون إلى الموت وھم ينظرون(األنفال‪ ،٦-٥:‬وحدث يوم الحديبية عندما‬ ‫رأى الصحابة رﺿي ﷲ عنھم أن الصلح نوع من إعطاء الدنية في الدين وحدث يوم‬ ‫اختلف الصحابة حول قتال المرتدين من العرب‪ ،‬فكيف سيكون الخالف وحال المسلمين‬ ‫بھذا التعقيد فھم مستضعفون ال ولي لھم وال إمام متبع وقد تكالبت األمم عليھم كما أخبر‬ ‫بذلك سول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في الحديث الذي رواه االمام أحمد في مسنده وابو‬ ‫داود في سننه وابو نعيم في حليته من حديث ثوبان )رﺿي ﷲ عنه( انه قال‪ :‬قال رسول‬ ‫ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم يوشك األمم أن تداعى عليكم كما تداعى األكلة إلى‬ ‫قصعتھا فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء‬ ‫السيل ولينزعن ﷲ من صدور عدوكم المھابة منكم وليقذفن ﷲ في قلوبكم الوھن فقال‬ ‫قائل يا رسول ﷲ وما الوھن قال حب الدنيا وكراھية الموت‪).‬انتھى( ويشرح صاحب‬ ‫عون المعبود طبيعة تداعي األكلة فيقول‪ :‬يتداعى بعضھم بعضا إلى قصعتھم التي‬ ‫يتناولونھا من غير مانع فيأكلونھا صفوا من غير تعب‪).‬انتھى(‬

‫األصل الخامس‪ :‬اختالف االجتھاد باختالف الساحات والعوامل المكونة لھا‬ ‫فقد تبين منذ نشوء الفقه اإلسالمي أثر الساحة ومكوناتھا على االجتھاد الناتج عن‬ ‫الوقوف على تلك الساحة والتعامل مع مكوناتھا وبالتالي اختالف طبيعة األحكام التي‬ ‫تترتب في التعامل مع القضايا الكبرى للمسلمين بل وفي بلورة قائمة المصالح العليا‬ ‫وأولوياتھا‪ ،‬وترتيبا على ذلك فال يمكن بأي حال من األحوال مناقلة االجتھادات بين‬ ‫الساحات بوﺿعھا الكلي بل ال بد من إعادة تأسيس االجتھاد من جديد في كل مرة يحتاج‬ ‫المسلمون فيه إلى رأي وموقف من قضايا الساحات المستجدة‪ ،‬ودون أن نغفل وجود‬ ‫قواسم مشتركة في أوﺿاع المسلمين ونسبة من تماثل أحوال المسلمين نتيجة لحالة‬ ‫االستضعاف المستشرية فيھم‪ ،‬وعليه فإن ھذا األصل يترتب عليه ما يلي‪ :‬ال يمكننا أن‬

‫‪24‬‬


‫نطالب الفريق الجھادي كمثال وھو يقف على ساحات الجھاد الملتھبة ومطبقا للموازين‬ ‫الشرعية المرتبطة بھذه الساحة أن يضع الندى في موﺿع السيف وأن يستبدل الحوار‬ ‫والتواصل الحضاري بالضرب بيد من حديد على كاھل العدو الكافر فكيف يسوغ ذلك‬ ‫وھو يطبق ما يلي من قواعد‪) :‬فإما تثقفنھم في الحرب فشرد بھم من خلفھم(األنفال‪٥٧:‬‬ ‫وقاعدة‪):‬فاﺿربوا فوق األعناق واﺿربوا منھم كل بنان(األنفال‪ ١١:‬وفاعدة‪):‬قاتلوھم‬ ‫يعذبھم ﷲ بأيديكم ويخزھم وينصركم عليكم ويشف صدور قوم مؤمنين(التوبة‪١٤:‬‬ ‫وغيرھا من القواعد؟‬ ‫كما يترتب على ھذا األصل أنه ال يمكننا في ذات السياق أن نطالب فريق األداء السياسي‬ ‫أن يخلط السياسة بالجھاد في ساحته الباردة أو النصف ساخنة أو أن يضرب بيد من‬ ‫حديد على رؤوس حكام المسلمين بينما ھو في األصل ووفق اجتھاده يحاول أن يرفع‬ ‫شيئا من العنت عن كاھل المسلمين من خالل أدائه السياسي ويحاول أن يفضح‬ ‫الدكتاتوريات والنظم الحاكمة في العالم اإلسالمي ويسلط األﺿواء على فسادھا‬ ‫المستشري في كل االتجاھات وأن يستخدم العقل والمنطق والمرونة السياسية وفق ما‬ ‫أتاحه الشرع من أحكام للمستضعفين تتيح لھم التدرج في التغيير والصبر على الشعوب‬ ‫المستضعفة حتى تقبل بفاتورة التغيير ومترتباته وذلك بما اصطلح عليه بالمدافعة المدنية‬ ‫دون أن يتنازل المسلمون عن ثوابتھم وأركان دينھم‪ ،‬بل ويتضح في ظل ھذه الفروق في‬ ‫االجتھاد حقيقة خطرة وھامة في الجانب المقابل وھي استحالة قبول وھضم النظم‬ ‫السياسية لفريق الطرح الجھادي وممارساته بسبب تحالف ھذه النظم مع أعداء المسلمين‬ ‫وبسبب الحظر الموﺿوع على الفريق الجھادي نصرانيا وعليه فمطالبة الفريق السياسي‬ ‫للفريق الجھادي بأن يعترف األخير بالنظم الحاكمة ويقبل بمرجعيتھا ھو نوع من العبث‬ ‫في ظل اصطفاف النظم الحاكمة مع النصارى وفي ظل االجتھاد والتطبيق الجھادي‬ ‫المعاصر إال أن يكون التواصل في ظل متطلبات سياسية ومرونة ميدانية فذلك أمر آخر‬ ‫كما تتواصل حماس ھذه األيام مع األنظمة السياسية إلدارة شؤون السياسة والجھاد معا‪،‬‬

‫‪25‬‬


‫ومن ھنا فامكانية الفريق الجھادي في تجنب االصطدام بالنظم الحاكمة تجنبا كامال ھو‬ ‫نوع من الحلم الكاذب‪ ،‬ولھذا السبب رأينا الصدمة الكبرى التي أصابت العقل الجمعي‬ ‫للمسلمين المسالمين عندما اصطدمت حماس بنظام السلطة األوسلوية وكان لطف ﷲ‬ ‫الكريم في ذلك االصطدام واﺿحا إذ تمكن المجاھدون من إجراء عملية جراحية سريعة‬ ‫بأقل التكاليف‪ ،‬وال يعني ھذا التحليل فتح الباب لالصطدام الشامل بين فريق األداء‬ ‫الجھادي وبين النظم السياسية فدون ذلك محاذير كثيرة من أھمھا دماء المسلمين‬ ‫ومحدودية نضج ساحات المسلمين والخسائر المتوقعة في ھذا الجانب وعدم قدرة‬ ‫المسلمين حتى اآلن على إدارة الفوﺿى الشاملة الناجمة عنه كما رأينا في العراق إلى‬ ‫غير ذلك من المحاذير‪.‬‬

‫األصل السادس‪ :‬التمييز بين الثابت والمتغير أو االستراتيجي والتكتيكي‬ ‫وللوقوف على شرح دقيق لھذا األصل وھو التمييز أو التفريق بين الثابت والمتغير‬ ‫فسوف أستعرض موقفين من مواقف االختالف في النظر والتقدير لألمور في ظل ثوابت‬ ‫اإلسالم ومتغيراته عند الصحابة رﺿي ﷲ عنھم أجمعين‪ ،‬الموقف األول حدث على عھد‬ ‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم والموقف الثاني على عھد خليفته أبي بكر الصديق رﺿي‬ ‫ﷲ عنه‪ ،‬والموقفان يوﺿحان بجالء امكانية االختالف في وزن المصالح والمفاسد‬ ‫والنظر إلى تطبيق مبادئ اإلسالم وسعة الساحة اإلسالمية الستيعاب االختالف ثم ظھور‬ ‫الحق وبيانه وائتالف الجميع تحت رايته‪ ،‬وأصحاب الموقفين ھما خليفتا رسول ﷲ صلى‬ ‫ﷲ عليه وسلم من بعده أبابكر وعمر رﺿي ﷲ عنھما أما الموقف األول فھو ما حدث في‬ ‫صلح الحديبية ونظرة عمر رﺿي ﷲ عنه وكثير من الصحابة رﺿي ﷲ عنھم لذلك‬ ‫الصلح وإبداء عمر رﺿي ﷲ عنه لرأيه الصريح أمام رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‬ ‫بأن الصلح ھو نوع من إعطاء الدنية في الدين‪ ،‬وكيف تعامل الرسول الكريم صلى ﷲ‬

‫‪26‬‬


‫عليه وسلم مع الموقف ورأفته بأصحابه رﺿي ﷲ عنھم كما ورد في تاريخ الطبري‪:‬‬ ‫)فلما التأم األمر‪ ،‬ولم يبقى إال الكتاب وثب عمر بن الخطاب‪ ،‬فأتى أبا بكر‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا‬ ‫بكر‪ ،‬أليس برسول ﷲ ! قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أو لسنا بالمسلمين ! قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أو ليسوا‬ ‫بالمشركين ! قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فعالم نعطى الدنية في ديننا ! قال أبو بكر‪ :‬يا عمر الزم‬ ‫غرزه؛ فإني أشھد أنه رسول ﷲ‪ ،‬قال عمر‪ :‬وأنا اشھد أنه رسول ﷲ‪ .‬قال‪ :‬ثم أتى رسول‬ ‫ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول ﷲ‪ ،‬ألست برسول ﷲ ! قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أولسنا‬ ‫بالمسلمين ! قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬أوليسوا بالمشركين ! قال‪ :‬بلى قال‪ :‬فعالم نعطى الدنية في‬ ‫ديننا ! فقال‪ :‬أنا عبد ﷲ ورسوله لن أخالف أمره‪ ،‬ولن يضيعني‪ .‬قال‪ :‬فكان عمر يقول‪:‬‬ ‫ما زلت أصوم وأتصدق وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ‪ ،‬مخافة كالمي الذي‬ ‫تكلمت به؛ حتى رجوت أن يكون خيرا( انتھى النقل من تاريخ الطبري‪.‬‬ ‫وأما الموقف الثاني فھو ما حصل إبان بدء عھد الخالفة الراشدة وارتداد قبائل العرب‬ ‫والموقف التاريخي الذي وقفه خليفة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أبوبكر الصديق‬ ‫بضرورة قتال المرتدين والتردد المبدئي الذي كان عليه عمر رﺿي ﷲ عنه وكثير من‬ ‫قيادات الصحابة رﺿي ﷲ عنھم حتى شرح ﷲ صدورھم لما انشرح له صدر أبي بكر‬ ‫رﺿي ﷲ عنه وذلك استنادا إلى ما أورده البخاري في صحيحه فعن أبي ھريرة رﺿي‬ ‫ﷲ عنه قال ‪) :‬لما توفي رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وكان أبو بكر رﺿي ﷲ عنه‬ ‫وكفر من كفر من العرب فقال عمر رﺿي ﷲ عنه كيف تقاتل الناس وقد قال رسول ﷲ‬ ‫صلى ﷲ عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ال إله إال ﷲ فمن قالھا فقد عصم‬ ‫مني ماله ونفسه إال بحقه وحسابه على ﷲ فقال وﷲ ألقاتلن من فرق بين الصالة والزكاة‬ ‫فإن الزكاة حق المال وﷲ لو منعوني عناقا كانوا يؤدونھا إلى رسول ﷲ صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم لقاتلتھم على منعھا قال عمر رﺿي ﷲ عنه فوﷲ ما ھو إال أن قد شرح ﷲ صدر‬ ‫أبي بكر رﺿي ﷲ عنه فعرفت أنه الحق(رواه البخاري‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫فيتبين من ھذين الموقفين عدة مسائل أولھا أنه من الوارد أن يختلف قادة المسلمين‬ ‫وعلماؤھم في تقدير الموقف من القضايا الكبرى مع وجود النص بل إن الموقف األول‬ ‫الذي وقفه الصحابة رﺿوان ﷲ عليھم يوم الحديبية كان بحضرة رسول ﷲ الكريم صلى‬ ‫ﷲ عليه وسلم‪ ،‬أما المسألة الثانية والتي تتعلق بھذا البحث على وجه التعيين ھي أنه‬ ‫بالمقارنة بين الموقفين يتبين أن علة الخالف كانت بسبب تقدير وتحديد )الثابت( من‬ ‫مسائل الدين وتخليصه وتمييزه من )متغيره( وليسمح لي األخوة القراء أن أستخدم في‬ ‫شرح األمر مصطلحين معاصرين ھما من األعجمية ولكن مقتضيات الحال من ھيمنة‬ ‫المصطلحات المعاصرة تقتضي ھذا وھما مصطلح )االستراتيجي( يقابلھا مصطلح‬ ‫الثابت في العربية ومصطلح )التكتيكي( يقابلھا مصطلح المتغير‪ ،‬فإن الخلط بين األمرين‬ ‫في النظر إلى المسائل المستجدة والكبرى غالبا ما يؤدي إلى انقسام الناس واختالفھم‬ ‫البين على قضاياھم والتعامل معھا‪ ،‬ولذا لما أدرك الصحابة رﺿوان ﷲ عليھم أن مسألة‬ ‫أداء العمرة من عدمھا ھي مسألة تكتيكية متغيرة من حيث التقديم والتأخير وذلك حتى‬ ‫تنجز أعمال أخرى كبيرة وأن الصلح لم يضر بثوابت اإلسالم بل إنه قوى من مرتكزات‬ ‫ذلك الوجود من خالل اعتراف قريش بھذا الوجود‪ ،‬كما أن الصلح لم يلغ المسيرة‬ ‫الجھادية ولم يضعھا جانبا وإنما خدم المسيرة الجھادية وبالتالي خدم التمكين لدين ﷲ في‬ ‫األرض فعندما أدرك الصحابة ذلك ندموا على مخالفتھم لرسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‬ ‫بل إن تسمية صلح الحديبية )فتحا( ما نزل من عند ﷲ تعالى إال بعد أن انصرف رسول‬ ‫ﷲ صلى ﷲ عليھا وسلم منھا كما ورد في عدة أحاديث صحيحة ومنھا في صحيح مسلم‬ ‫عن أنس بن مالك حدثھم قال ‪) :‬لما نزلت إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك ﷲ إلى قوله‬ ‫فوزا عظيما مرجعه من الحديبية وھم يخالطھم الحزن والكآبة وقد نحر الھدى بالحديبية‬ ‫فقال لقد أنزلت علي آية ھي أحب إلي من الدنيا جميعا(رواه مسلم‪.‬‬ ‫وفي الموقف اآلخر الذي كان على عھد أبي بكر الصديق رﺿي ﷲ عنه قبيل حروب‬ ‫الردة فإنه رﺿي ﷲ عنه نظر إلى مسألة المس بأخطر ثوابت اإلسالم و أركانه الخمسة‬

‫‪28‬‬


‫من خالل منع الصدقة أو الزكاة‪ ،‬فاعتبر رﺿي ﷲ عنه أن منع الزكاة إنما ھو مقدمة‬ ‫ستفضي إلى ھدم أركان اإلسالم فما كان منه إال أن اتخذ ذلك القرار الخطير وھو قتال‬ ‫المرتدين بينما كان كثير من الصحابة رﺿي ﷲ عنھم ينظرون ويركزون على مسألة‬ ‫خطورة ومفسدة قتال قبائل العرب وما سوف يترتب على ذلك فلما تبدت لھم المسألة في‬ ‫بعدھا االستراتيجي انشرحت صدورھم لذلك القتال كما انشرح له صدر أبي بكر الصديق‬ ‫رﺿي ﷲ عنه من قبل‪.‬‬

‫األصل السابع‪ :‬مرونة الشريعة اإلسالمية في التعامل مع الفتن والمالحم‬ ‫واالختالط‬ ‫فقد تبين وفي ظل انكسار وتغير النظام الدولي في العقد األخير من القرن العشرين‬ ‫الميالدي واستمرار وتكرس ھذا التغيير مع بداية القرن الواحد والعشرين تبين بأن‬ ‫ساحات المسلمين ھي الساحات األكثر تأثرا بھذا االنكسار والتغيير مع العلم بأن ساحات‬ ‫المسلمين قد استخدمت كساحات منھزمة ومستسلمة قبل ھذا التغيير في النظام الدولي‬ ‫للسيطرة العالمية كما رأينا في منتصف القرن العشرين من ھيمنة االتحاد السوفييتي على‬ ‫آسيا الوسطى والقوقاز وسيطرة النصارى على ثلثي العالم اإلسالمي في آسيا وإفريقيا‬ ‫والباقي تكفل بھم الصينيون وغيرھم‪ ،‬ولكن تجدد الصراع الدولي أوقع المسلمين في‬ ‫حالة مستجدة وغير معھودة وھي حالة من االختالط الشديد واالستقطاب الحاد فنجد أنه‬ ‫بينما فريق من المسلمين يقاتلون كتلة خطيرة من ألد أعداء المسلمين والمثال ھنا على‬ ‫قتال الشيشان للروس فإن مسلمين آخرين يحاولون استثمار العداء الروسي لنصارى‬ ‫الغرب والتنافس الدولي بينھم لصالح دعمھم في معادلة الصراع ولرد العدو األشد‬ ‫خطورة كما حصل من حماس في محاولة مد عالقتھا بالروس‪ ،‬والنموذج يتكرر في‬ ‫مواقع أخرى ففي الوقت الذي اﺿطر فيه المجاھدون العراقيون إلى دفع صولة الشيعة‬ ‫ودولتھم التي أنشأتھا أمريكا في العراق إبان الغزو األمريكي عام ‪٢٠٠٣‬م ترى فريقا‬

‫‪29‬‬


‫آخر من المسلمين المجاھدين ينضوون في تحالف يستظلون فيه بالمظلة الشيعية اإليرانية‬ ‫مضطرين بعد أن رمتھم أمم النصارى والنظم السياسية العربية عن قوس واحدة مع‬ ‫مالحظة ھامة وھي قابلية ھذه التحالفات للتحول واالنقالب‪ ،‬وھذه الحال قد حدث مثلھا‬ ‫إلى حد ما على عھد رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وذلك عندما وقع حادث صلح‬ ‫الحديبية وبقيت فئة من المسلمين لم تدخل في الصلح فجاز لھا قتال قريش ومشاغلتھا‬ ‫حتى أجبرت قريش على التخلي عن بعض شروط الصلح طواعية‪ ،‬وقد غير صلح‬ ‫الحديبية من معادالت الصراع القائمة حيث التحق بعض الكفار بحلف النبي صلى ﷲ‬ ‫عليه وسلم وذلك عندما مالت قبيلة خزاعة إلى صف المسلمين وھي ال تزال على الكفر‪.‬‬ ‫كما أن تداعي األمم الحالي على المسلمين ودفع المسلمين لھذا التداعي تحكمه مجموعة‬ ‫من القواعد الشرعية المنظمة لقتال األعداء ومنھا تعين الجھاد على من دھمت بالده‬ ‫وامتدا ذلك التعيين من يلي ھذه البالد من المسلمين حتى يشمل التعيين جميع المسلمين‬ ‫في األرض في حال لم يتمكن أھل البالد ومن حولھم من رد المعتدين وذلك كما أجمع‬ ‫علماء المسلمين‪.‬‬ ‫ومنھا قتال األقرب فاألقرب من األعداء كما ورد في تفسير قول ﷲ عز وجل‪) :‬يا أيھا‬ ‫الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن ﷲ مع‬ ‫المتقين(التوبة‪ ،١٢٣:‬حيث ورد في تفسيرھا نقال من القرطبي عن قتادة قوله‪) :‬اآلية على‬ ‫العموم في قتال األقرب فاألقرب واألدنى فاألدنى( وفي تفسير اإلمام الطبري حول ھذه‬ ‫اآلية يقول‪ ...) :‬فإن الفرض على أھل كل ناحية‪ ،‬قتال من وليھم من األعداء دون األبعد‬ ‫منھم‪ ،‬ما لم يضطر إليھم أھل ناحية أخرى من نواحي بالد اإلسالم‪ .‬فإن اﺿطروا إليھم‪،‬‬ ‫لزمھم عونھم ونصرھم‪ ،‬ألن المسلمين يد على من سواھم‪ .‬ولصحة كون ذلك كذلك‪،‬‬ ‫تأول كل من تأول ھذه اآلية‪ ،‬أن معناھا إيجاب الفرض على أھل كل ناحية قتال من‬ ‫وليھم من األعداء( انتھى‪ .‬إلى غير ذلك من األحكام المنظمة لحاالت الحرب واالعتداء‬ ‫على المسلمين وبما يشمل حاالت لم تمر من قبل في التاريخ‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫وعليه فإن ھذا األصل يرتب على المسلمين مواقف تبدو في بعدھا القريب متناقضة‬ ‫وغير مفھومة وھي على المدى االستراتيجي متكاملة ودافعة نحو التحوالت الكبرى‬ ‫والنصر المبين بحول القوي الجبار‪ ،‬كما يرتب ھذا األصل على عموم المسلمين‬ ‫استيعاب طبيعة المرحلة من التدافع وتحوالتھا وقبول ھذه الخارطة الملونة في‬ ‫التصورات والسياسة اإلسالمية‪ ،‬كما يرتب ھذا األصل على قيادات العمل اإلسالمي‬ ‫والجماعات اإلسالمية المتصدية لقيادة األمة ووزن وبلورة المصالح العليا لألمة أن‬ ‫ينتبھوا لرياح التغيير وطبيعة التحالفات الدولية واإلقليمية ويستثمروا كل فرصة تلوح‬ ‫لھم من أجل دفع صراعھم إلى ساحات التمكين‪ ،‬ولكن ھذا األصل ‪ -‬وأعني به مرونة‬ ‫الشريعة في التعامل مع الفتن والمالحم – يحتاج عند تطبيقه إلى ﺿوابط تبقيه في مساره‬ ‫الصحيح وإال فإن االنحراف في استخدامه سيؤدي إلى انحراف أكبر وأخطر في المسيرة‬ ‫الكلية ومن ﺿوابطه‪:‬‬ ‫● عدم المھادنة في المسائل العقائدية‪.‬‬ ‫● االستعداد المبدئي للبراءة ونبذ العھود عند نبذ المعاھدين لھا وخيانتھا‪.‬‬ ‫● نصرة المسلمين لبعضھم البعض واجبة على كل المستطيعين إال على قوم بينھم‬ ‫وبينھم ميثاق‪.‬‬ ‫● إبقاء الصراع موجھا لألخطر فاألخطر من أعداء المسلمين وامكانية عقد التحالفات‬ ‫مع األعداء األقل خطرا ﺿد األشد خطورة وھو ما سوف أتعرض له في األصل التالي‪.‬‬

‫األصل الثامن‪ :‬أعداء المسلمين ليسوا سواء‬ ‫وھذا يقتضي وﺿع قائمة بأعداء المسلمين األشد خطورة ثم الذين يلونھم وتوجيه بوصلة‬ ‫المصادمة لألشد عداوة الذي يتھدد وجود األمة وعقيدتھا‪ ،‬وحتى يمكن تحديد ھذا النوع‬ ‫من األعداء فإنه ال بد أن تتحقق فيه قائمة من السمات والتي إن توفرت في عدو فإنه‬ ‫يكون على رأس قائمة أعداء المسلمين الخطرين مما يقتضي توجيه رأس الحربة إليه‬

‫‪31‬‬


‫واستھدافه قبل أن ينجز مھامه االستراتيجية في ساحات المسلمين كما فعل ريتشارد قلب‬ ‫األسد ومن معه في استھداف الشام بحربه الصليبية حتى كنسھم الناصر صالح الدين‬ ‫رحمه ﷲ تعالى من بالد المسلمين وكما فعل الفونسو في األندلس حتى أوقف زحفه‬ ‫البطل المجاھد يوسف بن تاشفين في معركة الزالقة الشھيرة‪ ،‬وأما السمات فھي‪:‬‬ ‫● القتال بھدف الصد عن الدين كما أخبرنا رب العزة عنھم‪ ) :‬وال يزالون يقاتلونكم حتى‬ ‫يردوكم عن دينكم إن استطاعوا(البقرة‪ ،٢١٧:‬وفي ھذا يتبين الدور التبشيري القسري‬ ‫واستھداف عقيدة المسلمين بالتخريب والمسخ واللعب بالعقول وكان قد تمثل ھذا النوع‬ ‫من االستھداف في النصف الثاني من القرن العشرين في التحدي الشيوعي العالمي أما‬ ‫اآلن فقد تولى األمريكان والنصارى البروتستانت على وجه الخصوص )اإلنجليز‬ ‫واالستراليون واأللمان ومن لف لفھم( كبر ھذا االستھداف العقائدي الذي جندوا له‬ ‫ميزانياتھم الھائلة والتي لم تسبق في التاريخ ويضاف على معادلتھم مواليھم من اليھود‪،‬‬ ‫دون أن نبرئ بقية النصارى لكن الكاثوليك دون البروتسانت عداوة للمسلمين‬ ‫واألرثوذوكس دون البروتنسانت في ھذه المرحلة‪ ،‬ولذا رأينا كيف استثمر األمريكان‬ ‫تفوقھم العسكري ووجودھم المباشر على أراﺿي المسلمين وخاصة الجزيرة العربية‬ ‫لفرض بناء الكنائس التي بدات تنتشر انتشار النار في الھشيم في جنبات الجزيرة العربية‬ ‫وسواحلھا في قطر واإلمارات وغيرھا مع تسھيل ھجرة النصارى والمشركين للجزيرة‬ ‫وبأعداد لم يسبق لھا مثيل‪.‬‬ ‫● المقاتلة في الدين واإلخراج من الديار أو المظاھرة عليه كما أخبرنا رب العزة عنھم‪:‬‬ ‫)إنما ينھاكم ﷲ عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من ديارھم وظاھروا على‬ ‫إخراجكم أن تولوھم ومن يتولھم فأولئك ھم الظالمون(الممتحنة‪.٩:‬‬ ‫● االكتساح العقائدي العالمي والتھديد المستحث الخطير وباستخدام األدوات المتطورة‬ ‫خاصة فيما يوصف ھذه األيام بالعولمة والسحر الذي أﺿيف لھا عبر توظيف األبعاد‬ ‫العلمية والجاذبية الفنية في الدعاية والسينما وشبكة االنترنت والقنوات الفضائية ونشر‬

‫‪32‬‬


‫الفساد المنظم الخلقي واالجتماعي عبر التھديد بفرض قيم االنحالل الخلقي والشذوذ‬ ‫وحمايته عبر القانون وغل الشريعة اإلسالمية ونظمھا من العمل خاصة في مجال المرأة‬ ‫والحدود وتعليم األجيال وغيرھا من المجاالت‪.‬‬ ‫● االكتساح العسكري والتمركز القاعدي والمبادأة بالقتال كما ورد كتاب ﷲ عز وجل‬ ‫بقوله‪) :‬أال تقاتلون قوما نكثوا أيمانھم وھموا بإخراج الرسول وھم بدأوكم أول مرة‬ ‫أتخشونھم فا> أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين( التوبة‪.١٣:‬‬ ‫● السيطرة على المقدسات أو تھديدھا بدء من اصغر المساجد حجما إلى المساجد الثالثة‬ ‫والذي سقط أحدھا تحت يد العدو اليھودي بدعم مباشر من النصارى البروتستانت‬ ‫والكاثوليك ودعم غير مباشر من بقية النصارى والمشركين في األرض وذلك كما علمنا‬ ‫رب العزة بقوله‪) :‬الذين أخرجوا من ديارھم بغير حق إال أن يقولو ربنا ﷲ ولوال دفع ﷲ‬ ‫الناس بعضھم ببعض لھدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيھا اسم ﷲ كثيرا‬ ‫ولينصرن ﷲ من ينصره إن ﷲ لقوي عزيز( الحج‪.٤٠:‬‬ ‫وبذلك االستعراض للسمات التي إن توفرت في عدو للمسلمين فإنه ال محالة يكون أخطر‬ ‫األعداء وبالتالي فإن أي تأخير في مبادلته العداوة وترتيب الجھاد ﺿده بناء على تلك‬ ‫العداوة يعتبر تخليا عن أخطر واجبات المسلمين في األرض وإن أي اقتراب من ھذا‬ ‫العدو ألي سبب كان يدخل المقترب منه بالضرورة ﺿمن أجندته ال محالة‪ ،‬كما أن ھذه‬ ‫البلورة والتحديد ألخطر أعداء المسلمين يجعل المسلمين المجاھدين له في فسحة تسمح‬ ‫لھم بتأجيل قتال بقية األعداء الذين يحتلون المراتب الدنيا في قائمة أعداء المسلمين بل‬ ‫وفي التحالف معھم ﺿد ھذا العدو إن اقتضت ﺿرورة القتال والمدافعة ذلك‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫األصل التاسع‪) :‬ما كان ألھل المدينة ومن حولھم من األعراب أن يتخلفوا‬ ‫عن رسول ﷲ وال يرغبوا بأنفسھم عن نفسه‪ (...‬التوبة‪١٢٠:‬‬ ‫فإن الفريق الجھادي ‪ -‬بغض النظر عن ألوانه ومواقعه‪ -‬قد ورث مسيرة التمكين‬ ‫اإلسالمية المعاصرة وذلك بحكم تعلق الجھاد بذروة سنام اإلسالم وبحكم أن التمكين‬ ‫اإلسالمي مرفوض بالكلية من قبل كل كتل الكفر على وجه األرض وبالتالي فال بد من‬ ‫مجاھدتھم لدفع أذاھم عن المسلمين ولتحقيق غاية التمكين للمسلمين‪) :‬وقاتلوھم حتى ال‬ ‫تكون فتنة ويكون الدين كله > فإن انتھوا فإن ﷲ بما يعملون بصير( األنفال‪،٣٩:‬وحول‬ ‫ھذه اآلية نقل الطبري عن ابن جريج قوله‪ :‬وقاتلوھم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين كله‬ ‫> ‪ ،‬أي‪ :‬ال يفتن مؤمن عن دينه‪ ،‬ويكون التوحيد > خالصا ً ليس له فيه شرك‪ ،‬ويخلع ما‬ ‫دونه من األنداد‪).‬انتھى( ورفع الفتنة عن المسلمين ال يمكن أن تحدث إال في ظل التمكين‬ ‫للدين‪.‬‬ ‫وبحكم الموقع الذي يمثله الفريق الجھادي فقد أصبح يتحمل العبء األكبر والضغط األشد‬ ‫الواقع من قبل الكفار على األمة المسلمة ويواجه أخطر المؤامرات من الداخل والخارج‬ ‫نتيجة لوقوع اجتھاده وأدائه بالضرورة في ذروة سنام اإلسالم فھو يقود األداء الكلي‬ ‫للمسلمين شاء أھل السياسة المجردة أم ابوا‪ ،‬ونتيجة إلصرار فريق الجھاد على رؤيته‬ ‫واجتھاده في التمكين وبلورة المصالح العليا لألمة المسلمة فإن ﺿغوط الكفار عليه لن‬ ‫تقف عند حد معين نتيجة للرغبة الجامحة التي تحكم أولئك الكفار بشطب ھذا األصل‬ ‫وھذه الممارسة الجھادية من صفوف المسلمين‪ ،‬وليس للمسلمين من مخرج في التعامل‬ ‫مع ھذه القضية إال بتوجيه الدعم الكامل للفريق الجھادي حتى يفتح ﷲ القوي العزيز‬ ‫عليھم‪ ،‬ويترتب على ھذا األصل المسائل التالية‪:‬‬ ‫● يعتبر خطر حرف مسيرة المجاھدين عن مسيرتھم من أكبر األخطار التي تتھدد‬ ‫المسيرة الجھادية المعاصرة وذلك بأن يقبل المجاھدون بوﺿع السالح وتسليمه والرﺿا‬ ‫بتحكيم األمم المتحدة ومطاوعة المسيرة السلمية‪ ،‬وسوف تستخدم كافة الوسائل لتحقيق‬

‫‪34‬‬


‫ھذا االنحراف ومن أھمھا التلويح بكراسي الحكم حتى لو أدى ذلك إلى شطب بعض‬ ‫األنظمة الموالية العتيقة‪ ،‬فلو أن حماس قبلت عرض التنازل من خالل الغزل األوروبي‬ ‫مؤيدا بالغزل العربي ﺿمن سقف السالم العربي لشطب السيد األمريكي على أبي مازن‬ ‫وزمرته منذ زمن بعيد‪ ،‬وكذا المقاومة العراقية فإنھا مھددة بنفس التھديد والخطر‪ ،‬وقد‬ ‫بات المكر الذي تمثله االستخبارات االمريكية وفي ظلھا االستخبارات في العالم العربي‬ ‫واإلسالمي من أخطر مھددات استمرار الجھاد وذلك لالستراتيجية التي تعمل وفقھا تلك‬ ‫األجھزة بالعمل على حرف المسيرة الجھادية عبر عدة مسارات ومنھا استخدام السجون‬ ‫والعذاب الشديد وطول األمد داخل تلك السجون لتغيير العقلية الجھادية وكان من المواليد‬ ‫المسخ لھذا المسار ما عرف بمراجعات السجون ومن المسارات الحصار الشديد كالذي‬ ‫تتعرض له فلسطين وخاصة قطاع غزة وارتفاع معدل الشھداء ومن المسارات مظلة‬ ‫السلم العربي ومن المسارات استخدام السلفية لضرب اإلخوان تارة واستخدام اإلخوان‬ ‫لضرب السلفية تارة أخرى حتى وصل األمر إلى أن يطلق بعض المحققين في أجھزة‬ ‫االستخبارات لحاھم تشبھا بالسلفية واستثارة لمن يحقق معھم من اإلخوان‪ ،‬إلى غير ذلك‬ ‫من المسارات‪.‬‬ ‫● التعددية الجھادية مطلب استراتيجي ھام في الصراع الكلي خاصة في ھذه المرحلة‬ ‫وذلك لعدة اسباب ومنھا‪ :‬المرونة العالية التي توفرھا ھذه التعددية في الصراع في ظل‬ ‫االستھداف الخطير والكلي للمجاھدين ولطبيعة المعركة والمالحم‪ ،‬وكذلك لسعة الساحة‬ ‫واستيعابھا وتطلبھا ألعداد كبيرة من األمة ولذا فإن تعدد الرايات والجماعات الجھادية‬ ‫يوفر أوعية مناسبة الستيعاب األعداد المتزايدة من المجاھدين‪ ،‬كما تحرم التعددية‬ ‫الجھادية العدو من تفوقه في السالح وسيطرته على األنظمة السياسية وقدرته على‬ ‫محاصرة تنظيم بعينه‪ ،‬كما تلعب التعددية حراسة للساحة الجھادية ورقابة متبادلة تمنع‬ ‫التھاون والتراجع الشامل‪ ،‬باإلﺿافة إلى ما توفره التعددية من ميزة تنافسية بين‬ ‫المجموعات‪ ،‬ومما يلحق بھذه المسألة الھامة واالستراتيجية في األداء الجھادي أن ال‬

‫‪35‬‬


‫يستعجل فريق من المجاھدين قطف ثمرة الجھاد وال االستحواذ على نتائجھا بأي شكل‬ ‫من األشكال ألن من شأن ذلك أن يھدد المسيرة الجھادية كلھا فاألمر > يضعه حيث يشاء‬ ‫عز وجل‪) :‬يسألونك عن األنفال قل األنفال > والرسول فاتقوا ﷲ وأصلحوا ذات بينكم‬ ‫وأطيعوا ﷲ ورسوله إن كنتم مؤمنين( األنفال‪ ،١:‬ولعل من األمثلة المباشرة على‬ ‫زعزعة الساحة الجھادية وصفة التعددية فيھا ھو محاولة بعض فرق الجھاد قطف الثمرة‬ ‫قبل أوانھا وفرض القيادة والسيطرة على اآلخرين ومن ذلك إقدام بعض فرق الجھاد‬ ‫على إعالن دولة العراق اإلسالمية ومع ما في ھا اإلعالن من فوائد أھمھا تكريس‬ ‫المسيرة الجھادية إلى وجھتھا النھائية االستراتيجية واعتبار ما دون ذلك ال ينھض‬ ‫بمررات الجھاد لكن المفاسد قد غلبت – على األقل فيما يظھر حتى اآلن‪ -‬من تشرذم‬ ‫األداء الجھادي وخطورة رمي غير المتابعين والباذلين البيعة لھذه الدولة بالخيانة أو‬ ‫التأخر عن الجھاد وتمكن العدو من استثمار ذلك التشرذم لصالح ﺿرب الجميع‪ ،‬وقد‬ ‫وعى أھل فلسطين لھذه المعطيات فمع سيطرة حماس على غزة وانفرادھا بھا لكنھا لم‬ ‫تتقدم على اآلخرين باالستحواذ واالستعجال في قطف ثمرة الجھاد أو فرض السيطرة‬ ‫المادية والمعنوية على اآلخرين‪.‬‬ ‫● ينبغي أن ال يفرق المسلمون بين جھاد وجھاد في رؤيتھم ودعمھم المادي والمعنوي‬ ‫للمجاھدين حيث يلعب االنتماء المكاني والعنصري أخطر المھددات في ھذا السبيل ولذا‬ ‫رأينا الدعاية األمريكية والمدعومة عربيا تفرق ما بين المقاومة العراقية )الوطنية(‬ ‫والمقاومة القادمة من الخارج التي تحمل الفتن!! وقد ابتلع الواقع العراقي ھذا الطعم‬ ‫وكان سببا لتباطؤ المسيرة الجھادية في العراق عام ‪ ٢٠٠٧‬وما تاله‪ ،‬كما أن شدة‬ ‫االستقطاب ما بين الجماعات المجاھدة وتنافسھا في الساحات المختلفة قد أوقعھا في نوع‬ ‫من االستعالء المتبادل والمزايدة على المواقف مما يقتضي سرعة المعالجة وﺿرورة‬ ‫االلتزام بالذلة بين المؤمنين التي أمر بھا من أمر بالجھاد سبحانه‪ ،‬كما تقتضي ھذه‬

‫‪36‬‬


‫الفرعية في ھذا األصل أن يتوافق المجاھدون في الساحة المحددة المعينة على تسليم‬ ‫القياد )أقصد عدم المنافسة على القيادة كمرحلة ثم االنصياع والتسليم الكامل متى اقتضت‬ ‫ﺿرورات الجھاد ذلك( لمن فتح ﷲ عليه من جماعات الجھاد فسبق اآلخرين سواء بكثرة‬ ‫المنضويين تحت لوائه أو بشدته ونكايته بالعدو وقدرته الميدانية أو غير ذلك من أسباب‬ ‫السبق العملية وأن تكون المنافسة بين الجماعات الجھادية موجھة لضرب العدو ال‬ ‫للتباغض والتحاسد والصراع على القيادة والمكانة فإن ذلك مبطل للعمل‪ ،‬وأن ينتبه‬ ‫المجاھدون لما يخططه العدو بضرب بعضھم ببعض وتشجيع التنافس المذموم الذي‬ ‫يستحوذ على األداء الجھادي بدعوى تفريط اآلخرين بل وخيانتھم للمسيرة الجھادية وما‬ ‫أشبه‪ ،‬وقد انتبه العدو ألھمية إشعال ھذه الفتنة ورفع السنتھا فإن لم ينتبه قادة الجھاد لھذه‬ ‫الحقيقة فإنھم يوشكون أن يستجيبوا ألمنية العدو بالتنازع والفشل وذھاب الريح‪.‬‬ ‫● ومع التسليم للمجاھدين برؤيتھم واجتھادھم وقيادتھم للساحات الجھادية الخاصة بھم‬ ‫ومعرفتھم بما يصلح تلك الساحات ولكنھم ينبغي أن ال يترفعوا عن المناصحة واالستماع‬ ‫لآلراء التي ال تتفق واجتھادھم من قبل إخوانھم المسلمين خاصة فيما يخص الترخص‬ ‫في الدماء المسلمة التي حرمھا ﷲ عز وجل ولئن تتأخر المسيرة الجھادية شيئا ما أفضل‬ ‫من الوقوع في دماء المسلمين فالمسيرة الجھادية محفوظة من رب السماء واألرض‬ ‫والجھاد ماض إلى قيام الساعة واألولى إعذار المستضعفين من المسلمين الذين اﺿطروا‬ ‫تحت ﺿغط الحاجة للعمل في الدولة الشيعية التي أنشأھا األمريكان في العراق بعد‬ ‫إنذارھم وتحذيرھم من خطورة ما يفعلون وبيان سوء وفساد تأويلھم فيما ذھبوا إليه وعدم‬ ‫مواجھھتھم إال عند االﺿطرار والعفو عنھم عند المقدرة عليھم‪ ،‬وإن أداء الكفار‬ ‫وﺿغوطھم وفسادھم مع مرور الوقت كفيل بإرجاع كثير ممن تابع العدو مضطرا‪ ،‬مع‬ ‫ﺿرورة التفريق بين من تابع ورﺿي وعلم بإصرار أنه يخدم العدو الكافر وبين السذج‬ ‫والمخدوعين خاصة في ظل الحاجة المادية والمعاناة والدعاية المركزة التي يتعرض لھا‬ ‫المسلمون في العراق وعدم قدرة أغلب العراقيين من أھل السنة على التمييز بين ما بات‬

‫‪37‬‬


‫يعرف بالمشروع الوطني العراقي والمشروع اإلسالمي العالمي ومتطلباته فكم استھلك‬ ‫مجاھدوا فلسطين من الوقت حتى وصلوا بالشعب الفلسطيني إلى نقطة ومرحلة الالعودة‬ ‫في سبيل استخالص المقدسات من أيدي يھود ومع ذلك فال تزال الخطورة قائمة في‬ ‫فلسطين أن يغلب الطرح المنغلق أو ما يسمى بالمشروع الوطني على المشروع‬ ‫اإلسالمي العالمي والذي لبابه استخالص المقدسات من أيدي اليھود؟ وكذا يمكن أن‬ ‫ينصح المجاھدون في فلسطين بأنه ال خالف على سعي قادة الجھاد إلى التخفيف عن‬ ‫المسلمين كما ھم رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم بإعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة حتى‬ ‫يفك الحصار عن المدينة وأھلھا وأن الھدنة مشروعة عند تحقق شروطھا وأن األصل‬ ‫في التعامل مع فرقاء الداخل الفلسطيني ينبغي أن يراعي لم الشعث الفلسطيني وانتزاع‬ ‫السلطة ممن اغتصبوھا في غفلة من أھلھا من الشيوعيين والقوميين العلمانيين دون‬ ‫وقوع في فخ النزاع الداخلي والحروب األھلية وكذا يمكن تفھم المكر والدھاء في إدارة‬ ‫المفاوﺿات السياسية بحيث يحصل المجاھدون على غنائم السياسة لصالح الجھاد دون‬ ‫السماح بتحصيل الكثير للطرف المفاوض ومفھوم أن تسعى القيادة لتوفير األجواء التي‬ ‫تسمح للمجاھدين أن يتنفسوا الصعداء وتأكيدا سيطرتھم ميدانيا من خالل الھدنة بعد‬ ‫الھدنة كل ذلك مفھوم ومستوعب لكن يحق للمسلمين أن يتساءلوا وأن ينصحوا فإن‬ ‫االستجابة لمشروع السلم العربي تحوم حوله الشكوك من جوانب كثيرة حتى وإن اشترط‬ ‫المجاھدون دولة وعاصمتھا القدس! أولم يصر عرفات من قبل على إقناع المسلمين بأنه‬ ‫سيحصل على دولة عاصمتھا القدس ثم لم تسلم له بتسكين السين وفتح الالم قرية من‬ ‫قرى القدس وال حي من أحيائھا‪ ،‬ثم كيف يمكن الرجوع عن االتفاقات بعد أن تمھر بخاتم‬ ‫النظام العربي ويعلوه خاتم األمم المتحدة )النصراني واليھودي بامتياز( وكيف سيمكن‬ ‫التفاھم مع دحالن وجماعته الذين سيرثون أبي مازن ﺿمن حكومة وحدة وطنية كما‬ ‫تسمى أو ليس المسار كله قد غلفه الضباب وذلك منذ أن بدأت مسيرة المشاركة‬ ‫السياسية؟ إال أن ﷲ لطف بالمجاھدين من خالل دورھم في انتزاع غزة من أيدي تيار‬

‫‪38‬‬


‫أوسلو بعد أن عاثوا فيھا فسادا‪ ،‬وعلى العموم ال يزال االطمئنان قائما ما دامت المسيرة‬ ‫الجھادية قائمة وإن أثرت عليھا السياسة بعض الشيء ولبدت سماءھا بالغيوم‪.‬‬ ‫● لن تستقيم المسيرة الجھادية المعاصرة إال برؤية عالمية واستراتيجية للتمكين تؤدي‬ ‫إلى ﺿبط المسيرة الجھادية في بعدھا االستراتيجي والكلي وتمنع الوقوع في فخ‬ ‫المنعطفات والعصبيات وتفتح األبواب الستثمار كل الساحات والمقدرات واألزمات‬ ‫لصالح ذلك التمكين ثم يأتي بعد ذلك التوحد القيادي والمرجعي لألداء الجھادي في وقته‬ ‫المناسب وحسب التطورات في كل االتجاھات ولكن ھذا التوحد ال يمكن أن يحث إال أن‬ ‫يقوم المجاھدون بوﺿع أولى لبناته ومن اآلن وإال فإن ھذا التأخر سوف يؤدي إلى‬ ‫استعصاء وانغالق في المراحل المتقدمة‪.‬‬ ‫● إن من أغرب ما سيطر على العقلية المسلمة في مرحلة استضعافھا الحالية ھو قبولھا‬ ‫بمعطيات الجھاد ﺿد اليھود في فلسطين وبناء األمل عليه ـ وھو كذلك بال شك‪ -‬مع ما‬ ‫يعانيه ذلك الجھاد من الحصار والصعوبات الجمة في طريقه واالنقطاع الشديد ما بينه‬ ‫وبين بقية أبناء األمة ومع ذلك وبالمقابل نجد أن العقلية والنفسية الجمعية لألمة لم تكن‬ ‫تتقبل الجھاد ﺿد األمريكان قبل سقوط العراق بأيديھم مع العلم بأن الدور الحقيقي في‬ ‫سقوط المقدسات بيد يھود واستمرار التفوق اليھودي في المنطقة ما ھو إال صناعة‬ ‫بروتستانتية في المقام األول بدأه اإلنجليز وأكمله األمريكان! وعليه فإن التطور العالمي‬ ‫الذي أدخلته جماعة القاعدة بإعالنھا الجھاد ﺿد األمريكان يعد تطورا استراتيجيا ھاما‬ ‫في الصراع الكلي على المقدسات وقد أثبت سقوط العراق تحت اآللة العسكرية‬ ‫األمريكية ھذه الحقيقة ‪ -‬بغض النظر عن الخالف المسيطر على الساحة اإلسالمية في‬ ‫استيعاب اجتھاد جماعة القاعدة في بعض أوجھه أو كلھاـ وبالتالي فإن معركة العراق‬ ‫ومعركة أفغانستان في الحقيقة ما ھي إال وجه آخر مكمل لمعركة فلسطين ومتسق مع‬ ‫المسيرة الكلية للمسلمين كما تنبأ بذلك قبل ما يقرب من عقدين من الزمن الشيخ المجاھد‬ ‫عبدﷲ عزام رحمه ﷲ وأجزل مثوبته عندما قال‪ :‬طريق القدس يمر عبر كابل‪ ،‬وعليه‬

‫‪39‬‬


‫فإن من أخطر مھددات الجھاد في فلسطين في ھذه المرحلة التفريق بين اليھود‬ ‫واألمريكان واقتناع بعض قيادات الجھاد في فلسطين بامكانية وجود طريق ما يعزل‬ ‫المصلحة األمريكية عن المصلحة اليھودية والغفلة عن الخطورة االستراتيجية التي‬ ‫تمثلھا العقيدة والفعل البروتستانتي النصراني على المسلمين وعلى فلسطين بوجه‬ ‫الخصوص ومن ثم االنقياد تدريجيا وراء الوعود األمريكية مدعومة بالوعود العربية‬ ‫التي أفضت بياسر عرفات وأنور السادات من قبل إلى كامب ديفد‪ ،‬ومع الثقة المتوفرة‬ ‫في قيادات الجھاد الفلسطيني لكن واجب النصح يقتضي التوقف عند ھذه الحقائق مطوال‪.‬‬ ‫● ينبغي على قيادات الحركات اإلسالمية العاملة في الساحات الباردة أو نصف الساخنة‬ ‫أن ترفع الحظر المفروض على مشاركة شباب المسلمين في المسيرة الجھادية العالمية‬ ‫فھذا أوان عولمة األداء الجھادي للمسلمين ولن يكون ذلك إال باعتماد استراتيجية رفع‬ ‫الوھن من النفوس وأن يحل محل ذلك الوھن عشق الشھادة والجھاد في سبيل ﷲ تعالى‪.‬‬ ‫● وإن من أشد األخطار الداخلية التي تتھدد الجھاد والمجاھدين وعالقة الجھاد ببقية‬ ‫أنواع األداء اإلسالمي في وقتنا ھذا ھو تصور مآالت ھذا الجھاد الكبرى ومستقره بعد‬ ‫أن يأذن ﷲ العزيز بنصر المؤمنين؟ فھل ستكون مآالته إلى خالفة إسالمية راشدة؟ وھي‬ ‫أفضل ما يتمنى المسلمون ويرغبون فيه أم إلى ملك عضوض تنقصه صفة الرشد التي‬ ‫اتسمت بھا مرحلة الخالفة الراشدة؟ ومعلوم أن الملك العضوض بدأ بالدولة األموية‬ ‫واستمر إلى سقوط الدولة العثمانية وقد تميزت تلك المرحلة من الخالفة اإلسالمية‬ ‫باالستظالل باإلسالم وتطبيقه والعناية بمصالح المسلمين العليا ورفع راية الجھاد ولكن‬ ‫الحكم كان متداوال بين عصبيات محددة‪ ،‬وعليه فإن صيرورة الحكم اإلسالمي إلى قبيلة‬ ‫محددة أو شعب محدد أو جماعة محددة إنما ھي عضوﺿية أخرى فھل تسعى قيادات‬ ‫األمة إلى تلك العضوﺿية؟ أم أن مآالت الجھاد ـ القدر ﷲ الحليم ـ ستؤول إلى استبدال‬ ‫خارطة الحكم الجبري الحالي بخارطة أخرى ولكن بلون إسالمي؟ فھاھنا دولة للقاعدة‬ ‫وھاھنا دولة لإلخوان المسلمين ودول لغيرھم وبين الدول ما صنع الحداد؟‬

‫‪40‬‬


‫ولإلجابة على ھذا السؤال فإنه يلزم الرجوع إلى المرتكزات والتصورات التي أدليت بھا‬ ‫في كتاب مالمح المشروع اإلسالمي‪ ،‬والتي انتھيت فيھا إلى أنه وفق المراحل العامة‬ ‫التي أنبأنا بھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم منذ بعثته وما سيكون إلى قيام الساعة‬ ‫ووفق ما يمليه المسار العام للشريعة اإلسالمية على المسلمين فإن المرحلة القادمة بإذن‬ ‫ﷲ الكريم تؤشر إلى قرب قيام خالفة راشدة على منھاج النبوة تبلغ ما بلغ الليل والنھار‬ ‫وھي التي بشرنا بھا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في حديثه الذي رواه مسلم عن ثوبان‬ ‫رﺿي ﷲ عنه قال‪ :‬قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪) :‬إن ﷲ زوى لي األرض‬ ‫فرأيت مشارقھا ومغاربھا وإن أمتي سيبلغ ملكھا ما زوي لي منھا‪(...‬انتھى‪ .‬وھذه‬ ‫ليست خالفة المھدي ‪ -‬على األرجح‪ -‬التي ستتحقق بين يدي الساعة ْإذ أن خالفة المھدي‬ ‫متعلقة بعالمات الساعة الكبرى وتتابعھا ومنھا نزول نبي ﷲ عيسى عليه السالم‪ ،‬وسواء‬ ‫صدق ھذا التوقع أم ال فإن الواجب على قيادات الجھاد أن تدفع باتجاه قيام الخالفة‬ ‫الراشدة ال باتجاه تكرار الملك العضوض فضال عن الملك الجبري‪ ،‬وھذا الدفع يقتضي‬ ‫من قادة الجھاد الحرص على عدم تلوين مآالت الجھاد باي عصبية كانت‪ ،‬ال عصبية‬ ‫الجماعات اإلسالمية وال عصبية القيادات فضال عن عصبيات األوطان والقبائل‬ ‫واألعراق‪ ،‬ومن اآلن وقبل أن يصيبھم ما أصاب المجاھدين األفغان قبيل سقوط كابل‬ ‫فإذا بھم يتناحرون تناحر األعداء الذين غرقوا في عداوتھم ودعواھم واحدة! فال سبيل‬ ‫لصلحھم فضال عن تآخيھم وھو البأس الشديد الذي حذرنا منه رسول ﷲ صلى ﷲ عليه‬ ‫وسلم في تكملة نفس الحديث الذي أوردته آنفا والذي رواه مسلم عن ثوبان رﺿي ﷲ‬ ‫عنه قال‪ :‬قال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم‪ ...) :‬وإني سألت ربي ألمتي أن ال يھلكھا‬ ‫بسنة عامة وأن ال يسلط عليھم عدوا من سوى أنفسھم فيستبيح بيضتھم وإن ربي قال يا‬ ‫محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه ال يرد وإني أعطيتك ألمتك أن ال أھلكھم بسنة عامة‬ ‫وأن ال أسلط عليھم عدوا من سوى أنفسھم يستبيح بيضتھم ولو اجتمع عليھم من‬

‫‪41‬‬


‫بأقطارھا أو قال من بين أقطارھا حتى يكون بعضھم يھلك بعضا ويسبي بعضھم‬ ‫بعضا(انتھى‪.‬‬ ‫ولمتأمل أن يتأمل ولسائل أن يسأل‪ :‬لماذا ھذا القدَر الرباني الذي نراه واقعا بتوزيع كتل‬ ‫الجھاد الكبرى في فلسطين والعراق وافغانستان بين الجماعات اإلسالمية بل والشعوب‬ ‫المسلمة أقصد اإلخوان والسلف والجھاد إن صح التوزيع وصحت التسمية؟ إنه وﷲ‬ ‫تعالى أعلم حتى ال تؤدي سيطرة كتلة واحدة إلى دولة عضوض أخرى فقد ذھبت‬ ‫العضوﺿية وال مجال لعودتھا‪ ،‬وبھذا التوزيع لكتل الجھاد على الجماعات المختلفة‬ ‫وعلى الشعوب المسلمة فإن ذلك يسھل على المسلمين االقتراب من الرشد الكامن في‬ ‫الخالفة التي ھي على سنة رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم وسنة المھديين من بعده‪.‬‬ ‫● وإن مما يتعلق بالمسألة السابقة ويھدد ساحة األداء الجھادي وبالتالي ساحة األداء‬ ‫اإلسالمي الكلي ھو أن يتم استيراد واستحضار كافة نقاط االختالف من ميادين البحث‬ ‫العلمي المجرد لكي يتم عكسھا وتلوين الساحات العملية بھا بحيث يتم استحضار كافة‬ ‫نقاط االختالف العلمية والفروق بين الجماعات المجتھدة في الفھم اإلسالمي المعاصر‬ ‫ويتم التراشق بتلك الفروق في ساحة الجھاد! فإن مما ھو معروف لدى العلماء أن ساحة‬ ‫البحث العلمي واالختالف النظري في إطار أھل السنة والجماعة ال يمكن أن تستورد‬ ‫بحذافيرھا لكي تقاس وتوزن بھا الساحات العملية ومنھا ساحة الجھاد ألن ما يسع في‬ ‫ساحات البحث العلمي المجردة ال يسع في ساحات الجھاد المھددة‪ ،‬والمثال خير سبيل‬ ‫لتقريب األمر فإن الخالف النظري والعلمي الحادث في الخمسين سنة الماﺿية بين طرح‬ ‫واجتھاد اإلخوان المسلمين وبين االطروحات السلفية ھو المقصود في ھذا التحذير‪ ،‬حيث‬ ‫يستطيع المراقب للساحات الجھادية على وجه الخصوص أن يلحظ ھذا االستيراد‬ ‫لمفردات البحث العلمي والتي ال تؤثر كثيرا على المختلفين ما داموا في مجال البحث‬ ‫النظري حتى لو تقاطعوا وتدابروا نتيجة لذلك االختالف لكن األثر أخطر بكثير بين‬ ‫المختلفين في الساحات الجھادية ألن الفصل في الخالف يكون غالبا برفع السالح في‬

‫‪42‬‬


‫الوجوه بل واإلخراج من الملة لطبيعة الساحة الجھادية والتوتر الذي يخيم عليھا‪ ،‬ولنا في‬ ‫رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أسوة حسنة عندما قرّع أسامة بن زيد رﺿي ﷲ عنھما‬ ‫بعد أن قتل من شھد أن ال إله إال ﷲ ونص الحديث في صحيح مسلم عن أسامة قال‪:‬‬ ‫)بعثنا رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جھينة فأدركت‬ ‫رجال فقال ال إله إال ﷲ فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي صلى ﷲ عليه وسلم‬ ‫فقال رسول ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم أقال ال إله إال ﷲ وقتلته قال قلت يا رسول ﷲ إنما‬ ‫قالھا خوفا من السالح قال أفال شققت عن قلبه حتى تعلم أقالھا أم ال فما زال يكررھا علي‬ ‫حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ(انتھى‪ ،‬والشاھد في الحديث ھنا ھو غلبة الظن والشك‬ ‫الذي وقع فيه أسامة رﺿي ﷲ عنه تجاه حقيقة شھادة الرجل وما كان ذلك الشك ليحدث‬ ‫لوال شدة الموقف والحسم الذي تتميز به ساحة القتال‪ ،‬وعليه فإن ما يقوم به المنتمون‬ ‫لالجتھاد السلفي المعاصر من ھجوم الذع ال يبقي وال يذر تجاه المخالفين في بعض‬ ‫االجتھاد من إخوانھم المسلمين واستخدام اسلوب التشكيك الكلي والنسف القاعدي لكل‬ ‫المخالفين ليھدد مستقبل المسلمين بفتنة التشرذم والفشل‪ ،‬كما أن تبشير أصحاب التيار‬ ‫السلفي بھم وحدھم كمنقذين لألمة ومتبعين للرسول صلى ﷲ عليه وسلم ليوقع الساحة‬ ‫الجھادية في ﺿيق شديد مما يقتضي االستجابة ألمر ﷲ تعالى بالذلة بين المؤمنين‬ ‫والرفق بالمسلمين كما ورد في مسند اإلمام أحمد عن أنس بن مالك قال‪) :‬قال رسول‬ ‫ﷲ صلى ﷲ عليه وسلم إن ھذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق(‪ .‬فال يبنغي معاملة‬ ‫الساحة الجھادية معاملة الساحة البحثية العلمية وال يعني ذلك أن نوقف العمل باألحكام‬ ‫الشرعية –معاذ ﷲ‪ -‬في الساحة الجھادية لكن القصد ينصرف إلى طبيعة الخطاب‬ ‫والمعالجة‪.‬‬ ‫● وإن من أدق األحكام وأخطرھا وأكثرھا قابلية للجدل واالختالف في أوساط المسلمين‬ ‫ھو مدى مشروعية وقابلية تعرض المجاھدين لألھداف العسكرية أو المدنية ألعداء‬ ‫المسلمين في بالد المسلمين والتي ال تتوفر فيھا شروط وظروف القتال واالشتباك بالعدو‬

‫‪43‬‬


‫المحارب وكذلك استھداف العدو المحارب في عقر داره كما تفعل جماعة القاعدة‪ ،‬وحتى‬ ‫يمكننا االقتراب من ھذه الساحة الشائكة وتفھم معطياتھا فال بد من التذكير بعدة أمور‬ ‫تسمح بتصور أدق لمجريات ھذا النوع من األداء الجھادي أول تلك األمور بأن فقد‬ ‫المرجعية السياسية لألمة وانجذاب حكام المسلمين لللمشروع األمريكي وخدمته أوجبت‬ ‫على المسلمين أن يجتھدوا في التعامل مع الضرورات التي فرﺿت عليھم فقد قام‬ ‫المجتھدون كل في مكانه بواجبه مثلما قامت حماس بدورھا الجھادي ولم تستشر ياسر‬ ‫عرفات ولي أمر الفلسطينين المفترض في ذلك الوقت بنھاية الثمانينيات في القرن‬ ‫العشرين بل إن نظام السلطة الفلسطينية لم يتم إدخاله إلى فلسسطين إال للقيام بدوره في‬ ‫مصادرة الجھاد الفلسطيني‪ ،‬وإن ھذا التصدي االجتھادي الجھادي لمتطلبات الساحات‬ ‫اإلسالمية ال يترك مجاال إال أن يمضي كل مجتھد في تطبيق رؤيته وإدارة ساحته حسب‬ ‫ما تبين له من وقائع مع أھمية المناصحة والمشاورة من قبل بقية المسلمين له‪ ،‬وثاني‬ ‫األمور في التصدي الجھادي الحالي أنه ال يمكن إلزام كل المسلمين بتصور واحد وال‬ ‫بمسار عملي واحد فقد سقطت العراق وما أدراك ما العراق في ظل النظم السياسية‬ ‫والتي انقسمت إلى قسمين إما مشارك بسقوط بغداد أو متفرج عليه! فماذا يمكن للمسلمين‬ ‫في ظل ھذه الحال من الھجمة النصرانية الشرسة التي تقودھا أمريكا إال أن يدفعوا بكل‬ ‫ما استطاعوا مما يقع تحت أيديھم فلم تعد ھناك ساحة آمنة لألمة المسلمة بناء على ھذا‬ ‫الدھم العام والتغلغل االستخباراتي الشامل‪ ،‬وأعتقد بأن التطورات الميدانية ھي التي‬ ‫تحكم ھذا النوع من األداء فاألصل أن يتم التركيز على الساحات التي فرض العدو فيھا‬ ‫القتال على المسلمين ولكنه وفي حال قام ھذا العدو بتوسيع استھدافه للساحات الباردة‬ ‫بعمليات قتالية من الخطف والقتل وفي حال استھدف العدو اآلمنين العزل من المسلمين‬ ‫كما فعلت االستخبارات األمريكية من خطف وقتل في باكستان واليمن وإيطاليا‪ ،‬ففي ظل‬ ‫ھذا التوسيع واالستھداف األمريكي الشامل العسكري والعقائدي والثقافي واألخالقي‬ ‫والتعليمي ودعم اليھود في استھدافھم للمسجد األقصى فإن كل أھداف العدو الظاھرة‬

‫‪44‬‬


‫والخفية يمكن أن تستھدف سواء بتطبيق الرد بالمثل كما في قوله عز وجل‪) :‬وإن عاقبتم‬ ‫فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به(النحل‪ ،١٢٦:‬على خالف حول نسخ اآلية أو إحكامھا أو‬ ‫بتطبيق قاعدة القتال المطلق كما في قوله عز وجل‪) :‬فإذا انسلخ األشھر الحرم فاقتلوا‬ ‫المشركين حيث وجدتموھم وخذوھم واحصروھم واقعدوا لھم كل مرصد فإن تابوا‬ ‫وأقاموا الصالة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلھم إن ﷲ غفور رحيم(التوبة‪ ،٥:‬ولكن ھذا التقدير‬ ‫متروك لقيادات الجھاد ووزنھا لمثل ھذه العمليات وأثرھا على العدو وعلى المسلمين‪،‬‬ ‫وإذا كان المسلمون اليوم يستنكرون فعل القاعدة في ھذا المجال فكأني بھم وبعد أن‬ ‫يزلزل اليھود أركان المسجد األقصى ـ ال قدر ﷲ الحليم‪ -‬يذھبون كل مذھب في ھذا‬ ‫االتجاه وبما لم تفكر فيه جماعة القاعدة‪ ،‬ومن يستبعد من المسلمين حدوث ھذا التھديم‬ ‫للمسجد األقصى في ظل المعطيات الحالية فإني أذكره بما مر على المسلمين في التاريخ‬ ‫فقد قام القرامطة عند ظھورھم بغـزو مكة وقتل الحجيج في يوم التروية وكسروا الحجر‬ ‫األسود وأخذوه إلى ديارھم فھل من معتبر؟‬

‫األصل العاشر‪ :‬المدافعة السياسية واجب شرعي يتعـلق بمصالح المسلمين‬ ‫العليا‬ ‫إن الفريق السياسي الواقف على مصالح المسلمين ورعايتھا في البقاع المختلفة من بالد‬ ‫المسلمين وحتى في عقر ديار الكفار إنما يقوم بدور شرعي وواجب عملي تمليه مبادئ‬ ‫اإلسالم من أمر بمعروف ونھي عن منكر وجلب المصالح ودفع المفاسد وتمثيل لضمير‬ ‫األمة ومكنونھا وفق االستطاعة ووفق النماذج السياسية والمؤسسية التي آلت إليھا‬ ‫االجتھادات المعاصرة لعلماء المسلمين في البقاع المختلفة ووفق طبيعة الساحات التي‬ ‫يقف عليھا المسلمون‪ ،‬وھذا الدور ال يقل بأي حال من األحوال أھمية وأثرا في المشروع‬ ‫اإلسالمي والرؤية البعيدة المدى عن الدور الجھادي المباشر فثمة مصالح ھائلة‬

‫‪45‬‬


‫وﺿرورات ماثلة ال بد أن يتصدى لھا القائمون بأمر ھذا الدين من العلماء والدعاة‬ ‫والجماعات اإلسالمية بحسب ما يقتضيه الحال من التصدي والمعالجة‪ ،‬خاصة في ظل‬ ‫حقائق ھامة تأتي في مقدمتھا حال االستضعاف التي عليھا األمة ومراعاة ھذه الحال ثم‬ ‫استحالة تحويل كل ساحات المسلمين إلى أرض للمقاومة والجھاد في ظل المعطيات‬ ‫الواقعية المشاھدة ولعدم تحقق كل معطيات الجھاد في أغلب ساحات المسلمين ومن‬ ‫أھمھا عدم وجود العدو البارز الواﺿح الذي يمكن قتاله عالوة على تيقن حدوث القتل في‬ ‫المسلمين في حال نشوب القتال ثم لتمكن األنظمة السياسية من رقاب المسلمين‬ ‫ومطاوعتھا للعدو الكافر واستعدادھا للذھاب كل مذھب لمنع تطور األوﺿاع الداخلية‬ ‫باتجاه استقالل وسيطرة المسلمين على مقدراتھم وواقعھم ثم لحاجة المسلمين‬ ‫المستضعفين إلى التدرج حتى يالمسوا المستويات العليا من التضحية واألداء اإلسالمي‬ ‫ولحاجتھم الماسة إلى التربية واإلعداد وبث العلم الشرعي بينھم وبين أجيالھم المتجددة‪،‬‬ ‫كما تأتي أھمية الممارسة السياسية في بالد المسلمين ألھمية إقامة الحجة على المعاندين‬ ‫والرافضين للنظام اإلسالمي من بني جلدتنا والذھاب معھم كل مذھب يبيحه الشرع‬ ‫وحتى ال يتحدث الناس بأن المسلمين يقتلون بعضھم بعضا‪ ،‬وانتظارا لتطور أوﺿاع‬ ‫الساحات الجھادية ومآالتھا فالساحتان تمدان بعضھما البعض بدعم معنوي ومادي يؤدي‬ ‫إلى تطور األداء اإلسالمي الكلي‪ ،‬وفي ظل ھذا األصل من حيث االعتبار الشرعي‬ ‫للعمل واألداء السياسي يمكن التوقف عند ما يلي من مسائل‪:‬‬ ‫● إن االتجاه العام الذي ينبغي أن يحكم مسيرة األداء السياسي ھو االتجاه التغييري‬ ‫اإلصالحي ال االتجاه الترقيعي اإلصالحي المجرد والذي يبقي الفساد في مواقعه يرتع‬ ‫ويلعب‪ ،‬وحتى يكون ھذا االتجاه التغييري ھو المبرر الشرعي األساسي في ألوان األداء‬ ‫السياسي من امر بمعروف ونھي عن منكر في مستوياته العليا‪ ،‬وحتى يصب ھذا االتجاه‬ ‫في مشروع التمكين لإلسالم فإذا صلح ھذا التصور وھذا المنطلق صلح ما بعده وإذا فسد‬ ‫فسد ما يليه‪ ،‬فاألداء السياسي اإلسالمي إنما يدفع ‪ -‬وإن شارك سياسيا‪ -‬باتجاه التحرر‬

‫‪46‬‬


‫واالنعتاق من الدكتاتوريات العلمانية والعسكرية والملكية وإال فما معنى رعاية مصالح‬ ‫الشعوب المسلمة إذا أھمل ھذا البعد وتم التصالح الكلي والنھائي مع النظم السياسية‬ ‫الحاكمة؟ ومن مقتضيات ھذا االتجاه العام أن تستظل المرونة السياسية بھذا االتجاه فال‬ ‫تذھب المرونة كل مذھب بدعوى اللعبة السياسية مثال فإذا كان اآلخرون يلعبون فإن‬ ‫الدعاة ال يلعبون باإلسالم ومبادئه وال بمصالح المسلمين العليا وال ينبغي أن تذھب‬ ‫المرونة السياسية باتجاه فن الممكن كل مذھب فإن للدعاة صالبتھم المستمدة من منھج‬ ‫اإلسالم ومطالبه ورعايته لمصالح المسلمين العليا مرة اخرى وھكذا‪.‬‬ ‫● وإن مما يتعلق بالمسألة السابقة أن يتقدم الساسة المسلمون والعاملون لھذا الدين عند‬ ‫ممارستھم للسياسة بمبادئھم الواﺿحة وإشاراتھم التي ال تخطؤھا العين فال يلبسون على‬ ‫المسلمين وھم األمناء بحجة أن يتم قبولھم في النظام السياسي ولكي يتالءموا مع‬ ‫متطلبات الديموقراطية األمريكية ووسمھم بصفة االعتدال فالمسلمون ليسوا بحاجة إلى‬ ‫استبدال النظم العلمانية بنظم جديدة تظھر العلمانية وتبطن اإلسالم فھذه ليست ساحة‬ ‫للشيعة والباطنية اإلسماعيلية‪.‬‬ ‫● ومما يتعلق بالمسألة األولى أن الساسة المسلمين ھم في حرب أيضا ولكنھا حرب بال‬ ‫حديد فھم حرب على التوجھات األمريكية والنصرانية التي باتت تستھدف عقيدة‬ ‫المسلمين ومقدراتھم وعليه فال مھادنة وال استظالل بالشرعية األمريكية وال طلب رﺿى‬ ‫السيد األمريكي وال امكانية بتبادل المنافع مع السيد األمريكي وال الدخول معه في أجندة‬ ‫مشتركة خافية أو ظاھرة‪ ،‬وال االقتراب من السرطان اليھودي‪ ،‬وال االستقواء على النظم‬ ‫المنبطحة للنظام األمريكي بمنظومة الديموقراطية وحقوق اإلنسان األمريكية وال بقنواته‬ ‫الفضائية التي تدعي الحرية‪.‬‬ ‫● ومما يلحق ھذه المسألة ويتعلق بھا أن يعتمد الساسة المسلمون في مسيرتھم على‬ ‫استراتيجية االستعصاء )كما سمتھا قيادات حزب التجمع اليمني لإلصالح( ﺿد‬ ‫االستھداف الشامل والكلي للنھضة اإلسالمية المعاصرة والرغبة الجامحة التي تھيمن‬

‫‪47‬‬


‫على النصارى بمسح آثار الدعوة والتربية اإلسالمية المعاصرة عن األجيال في مختلف‬ ‫بلدان العالم اإلسالمي وبتجفيف منابع التأثير اإلسالمي‪ ،‬فھو استعصاء على الذوبان‬ ‫والكسر والمسح من الساحات حتى يأذن ﷲ عز وجل بتبديل الحال‪.‬‬ ‫● وإن من أخطر ما يواجه فريق السياسة في ھذه المرحلة من تاريخ المسلمين المعاصر‬ ‫ھو التناغم الكلي والذوبان الكامل في منظومة الحكم السياسية السائدة في البالد العربية‬ ‫واإلسالمية وفق الخطة التي وﺿعتھا اإلدارة األمريكية في تعاملھا مع ما يسمى باإلسالم‬ ‫السياسي )يعني تقديم السياسة والمصلحة على ثوابت اإلسالم( وقبول تلك الخطة المبدئي‬ ‫بإشارات المسلمين ومسميات أحزابھم وبرموزھم القيادية بشرط انضواء تلك األحزاب‬ ‫في منظومة علمانية تتالقى مع المصالح األمريكية وتقوم على خدمتھا كما فعلت‬ ‫األحزاب القومية العلمانية واليسارية في المنطقة طوال النصف الثاني من القرن‬ ‫العشرين خاصة وقد وﺿع القطار على سكته وتم تدشين ھذا الخط السياسي بحزب‬ ‫العدالة التركي وبالحزب اإلسالمي العراقي أما النموذج األول فقد تقدم بحزب علماني‬ ‫بحت وقبل بخدمة أھداف أتاتورك ھادم الخالفة اإلسالمية ثم انضوى في النظام العلماني‬ ‫التركي بكل معطياته ومن ذلك تبعية ذلك النظام لالستراتيجية األمريكية والحروب‬ ‫األمريكية في المنطقة وأما النموذج الثاني فقد طبق اجتھادا قديما على ساحة كل ما فيھا‬ ‫جديد فھي ساحة محتلة عسكريا بدأ األمريكان فيھا ثاني حروبھم االستباقية ووﺿعوا‬ ‫بذلك ايديھم الغليظة على المقدسات والمقدرات معا‪ ،‬وھي ساحة قد بدأ أھلھا للتو بتطبيق‬ ‫نموذج جھادي واعد‪ ،‬وھي ساحة بدأ الشيعة فيھا بوﺿع أول نماذجھم التطبيقية في التمدد‬ ‫العالمي والمتعاون مع أمريكا ومع ذلك قبل ھذا الحزب أن يكون بيدقا من خشب ينصبه‬ ‫الشيعة في ساحتھم تارة وينصبه االمريكان في ساحتھم تارة أخرى‪.‬‬ ‫● أما المرونة السياسية التي يمكن للساسة المسلمين أن يعملوا بھا فھي إنما تراوح ما‬ ‫بين وﺿوح المبادئ وبين السعة التي تمنحھا الشريعة اإلسالمية سواء في بعدھا العام أو‬ ‫في بعد الضرورة التي تقدر بقدرھا ومن ذلك إعالن األحزاب والتجمعات اإلسالمية‬

‫‪48‬‬


‫قبولھا المبدئي بالنظام السياسي القائم في البلد المعني والتعامل معه ولكن مع طرح‬ ‫الشروط الخاصة بالتصور اإلسالمي إلصالح األوﺿاع في المجاالت المختلفة السياسية‬ ‫منھا واالقتصادية والقانونية والتربوية واالجتماعية إلى غير ذلك من المجاالت ومن‬ ‫رفض لكل أنواع الفساد التي يمارسھا النظام السياسي‪ ،‬كما أن من المرونة السياسية‬ ‫والحفاظ على المصالح العامة للمسلمين في البلد المعني االنضواء تحت النظام البرلماني‬ ‫الديموقراطي كمرحلة إصالحية بشرط االستظالل باإلسالم كمظلة أساسية وليس بنظام‬ ‫علماني يرفض اإلقرار بمرجعية اإلسالم ويتوفر ھذا األساس في أغلب بلدان العالم‬ ‫اإلسالمي بنصوص دستورية بغض النظر عن مدى التطبيق العملي ‪ -‬ال زھدا في‬ ‫التطبيق بطبيعة الحال ولكن تعامال مع الضرورة‪ -‬فإن بامكان المنظوين في النظام‬ ‫البرلماني في مثل ھذه النظم أن يحاكموا اآلخرين إلى المرجعية اإلسالمية ويحاجوھم بھا‬ ‫بحكم عقيدة المسلمين أوال ثم بحكم دستوريتھا ثانيا‪ ،‬كما أن بإمكان المتعاملين بالنظام‬ ‫الديموقراطي أن يقاطعوا االنتخابات والحياة السياسية بشكلھا القانوني متى ما تعسف‬ ‫النظام السياسي وطغى في تعامله مع المسلمين فليس معنى المشاركة السياسية أن يھمل‬ ‫المشاركون ثوابتھم ويتعلقوا بمجرد مبدأ المشاركة فإن ﷲ تعالى سوف يسائلھم عما‬ ‫استرعاھم من أمانات وتأتي أمانة المنھج اإلسالمي في مقدمة تلك األمانات‪ .‬ومن األمثلة‬ ‫الواﺿحة على ھذا النوع من األداء تأتي جماعة العدل واإلحسان في المغرب كنموذج‬ ‫ثابت وشامخ تجاه الحفاظ على الثوابت والتذكير بھا‪ ،‬وكذا ما قامت به جماعات إسالمية‬ ‫سياسية في مواقع مختلفة من مقاطعة المشاركة السياسية مثلما حصل من الجماعة‬ ‫اإلسالمية في باكستان مؤخرا وغيرھا من الجماعات واألحزاب لما أصبحت المشاركة‬ ‫في حد ذاتھا مشاركة في الفساد العام الذي تقوده الحكومات‪.‬‬ ‫● ومن المرونة السياسية التحالف الجزئي أوالكلي مع ألوان طيف التشكيل السياسي‬ ‫القائم في البلد المعني بشرط وجود إعالن مبادئ إسالمي يستظل الجميع به فإن لم يمكن‬ ‫فإعالن مبادئ خاص بالساسة المسلمين المشاركين يؤكد على البعد اإلسالمي ورؤيتھم‬

‫‪49‬‬


‫لحل مشاكل البلد المعني وإصالح الخلل فيه وبشرط أن ال يلتحق بھذا الحلف من يقيم‬ ‫على ما يضر بمصالح المسلمين العليا في تلك البلد من عمل ودعوة عقائدية ھادمة‬ ‫لإلسالم أو مواالة للمحاربين وما أشبه‪ ،‬ومن ھنا كمثال جاء التحالف الجزئي لحزب‬ ‫التجمع اليمني لإلصالح مع بقايا االشتراكية اليمنية بعد أن تحولت موازين القوى في‬ ‫اليمن وأصبح أھم مطلب أمريكي مطلوب من الحكومة اليمنية ھو ھدم ما بناه الدعاة‬ ‫طوال العقود الماﺿية من بناء إسالمي في نفوس األجيال والناس وبعد أن أقر قادة‬ ‫الحزب االشتراكي بإعالن المبادئ الذي وﺿعه حزب التجمع اليمني لإلصالح وفيه كل‬ ‫متطلبات المرجعية اإلسالمية إﺿافة إلى أھمية المحافظة على عالقة وثيقة بالجنوب‬ ‫اليمني لخطورته في المعادلة اليمنية ككل‪.‬‬ ‫● ومما يتعلق بھذا األصل وھو واجب المدافعة السياسية أن يوازن الساسة المسلمون‬ ‫بين البعد اإلسالمي للمشروع اإلسالمي والبعد الوطني فلھم أن يتجاوبوا مع متطلبات‬ ‫البعد الوطني والمصالح المتحققة في البلد الواحد وأن ينشغلوا بھا دون أن يخل ذلك‬ ‫بالبعد اإلقليمي والعالمي في المشروع اإلسالمي فال يمكن للساسة المسلمين أن يغفلوا‬ ‫عن قضية المقدسات والجھاد في فلسطين وال عن الدماء التي يھريقھا األعداء في‬ ‫فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرھا‪ ،‬وعند تعارض المصلحة الوطنية مع المصلحة‬ ‫العامة لألمة فاألصل أن تقدم المصلحة األعلى وھي ھنا متعلقة بالمشروع اإلسالمي‬ ‫العالمي ومن النماذج الناجحة في تطبيق ھذا المبدأ تقديم حزب العمل اإلسالمي األردني‬ ‫مصلحة القضية الفلسطينية ونصرتھا على مصلحة التواصل مع النظام المحلي عندما‬ ‫اقتضت ثوابت القضية اإلسالمية ذلك‪.‬‬ ‫● ومما يتعلق بھذا األصل أن يستعد المسلمون للمتغيرات الميدانية المترتبة على حقائق‬ ‫المدافعة وما يصحبھا من معطيات فالمسلمون ليسوا في زمن حرب باردة بل ھم في‬ ‫حرب ساخنة واقعة عليھم بشكل مباشر ولم يعد من شيء كثير في يد النظم السياسية‬ ‫لتفعله مما يقتضي االستعداد لكل أشكال التغيير خاصة عندما تھدد المقدسات على‬

‫‪50‬‬


‫المستوى العالمي وعندما تلوح نذر التحوالت الكبرى ويأتي وقت حصاد نتائج الفساد‬ ‫السياسي واالقتصادي طويل المدى في العالم العربي واإلسالمي وعندما تلوح مؤشرات‬ ‫الثورات وعندما تبدأ النظم الجبرية القائمة بالترنح فال نعيش بأحالم اليقظة وال نرجع‬ ‫بضم النون وكسر الجيم جالدينا بأيدينا إلى السدة ثم نقعد تحت سياطھم األمنية‬ ‫واالقتصادية راﺿين مطمئنين كما فعل البعض في الجزائر‪ ،‬ولعل أبلغ الدروس في‬ ‫أھمية قراءة التغيرات الكبرى واالستعداد لھا والخطورة المترتبة على ذلك ھو ما حدث‬ ‫في العراق وخاصة الخطأ االستراتيجي الذي وقعت فيه حركة اإلخوان المسلمين التي‬ ‫تمثل ثقال استراتيجيا كبيرا في األداء اإلسالمي الكلي سواء بامتدادھا العالمي أو بجناحھا‬ ‫العراقي فال ھي أسست للمدافعة الكاملة الوافرة للعدو األشد واألخطر في قائمة أعداء‬ ‫المسلمين على أرض العراق وال ھي أوقفت جناحھا العراقي من التمادي في تعاونه مع‬ ‫المحتل والذي أخل أداؤه كثيرا بوزن ومعادلة أھل السنة في تلك البالد‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الخاتمة‬ ‫لقد فرﺿت التطورات في الساحة اإلسالمية الكلية في الفترة األخيرة تداخال ما بين‬ ‫السياسة والجھاد ال تخطئه العين وبالتالي فإن الفصام النكد الذي تعمق ما بين الساحتين‬ ‫يجب أن يخلخل تمھيدا إلزاحته وإحداث التواصل الكلي بينھما وھذا األمل لن يتحقق إال‬ ‫بوﺿع الثوابت من دين اإلسالم وما يتعلق بھا من مصالح المسلمين العليا تحت النظر‬ ‫دائما وذلك بأن يتقدم أھل الجھاد وأھل السياسة نحو خدمة تلك المصالح وإن انطلق كل‬ ‫من ساحته ومعطياتھا‪ .‬ولعل مما أسھم في ھذا التداخل بين الساحتين عوامل متفرقة كان‬ ‫من أھمھا تداخل الجھاد والسياسة في العراق وفي فلسطين‪ ،‬ومن األمثلة على ھذا‬ ‫التداخل اجتھاد حركة حماس باالستجابة للمسيرة الديموقراطية الفلسطينية المسيطر‬ ‫عليھا أمريكيا وإلثبات حسن النوايا في الساحة الداخلية والساحة اإلقليمية والساحة‬ ‫العالمية والستغالل التأييد الشعبي الفلسطيني للمسيرة الجھادية باتجاه دعم السيطرة‬

‫‪51‬‬


‫للمجاھدين من باب السياسة وما نتج عن ذلك من محاولة اصطياد المسيرة الجھادية في‬ ‫فلسطين في قوقعة التجربة الديموقراطية وتمسك حماس بمسيرتھا الجھادية وما وقع‬ ‫عليھا بعد ذلك وعلى الشعب الفلسطيني من بالء وحصار‪ ،‬وما تاله من استجابة حماس‬ ‫وموافقتھا على مشروع السالم المطروح من قبل النظام السياسي العربي والقلق الكبير‬ ‫الذي باتت تمثله ھذه االستجابة على مستقبل الجھاد في فلسطين‪ ،‬وكذلك اشتعال األداء‬ ‫الجھادي في العراق واالصطدام المباشر بالمشروع األمريكي في المنطقة والمحاولة‬ ‫األمريكية المستميتة إليقاف الجھاد من خالل اللعب بالسياسة‪ ،‬واﺿطرار األمريكان‬ ‫إلبطاء المسيرة الديموقراطية في المنطقة ككل نتيجة عدم نضج طبخة اإلسالم السياسي‬ ‫فيھا‪ ،‬ومما يحسب لجماعة القاعدة في ھذا السبيل تدخلھم في توجيه المسار السياسي العام‬ ‫في المنطقة من خالل خطابات قادتھا المتصلة والتي سدت ثغرة كبيرة مفتقدة إذ ال يوجد‬ ‫من يمارس ھذا التوجيه وبھذا المستوى نتيجة النشغال أھل كل قطر بشأنه وأزماته‪.‬‬ ‫وإن التطورات األخيرة على ساحات المسلمين قد شكلت وبوجه الخصوص منذ سقوط‬ ‫بغداد بيد التتر المعاصرين دفعا باتجاه الوﺿوح وتسليط الضوء بشكل دقيق على تبلور‬ ‫استراتيجيات ومشاريع األمم المختلفة على وجه األرض وتدافعھا وتحديد قائمة األعداء‬ ‫األشد خطرا على األمة المسلمة واﺿطرار أولئك األعداء إلى الكشف عن أوراقھم‬ ‫ورؤاھم وتنزيلھا على األرض مما غير من كثير من المعطيات والعوامل الكلية التي‬ ‫كانت تتحكم بمنطقة السياسة والنظم السياسية التي تحكم المسلمين وبالتالي بعثرة‬ ‫الساحات التي يقف الجميع عليھا وھذا بدوره يتطلب من قادة المسلمين سواء من يقف‬ ‫على ﺿفة السياسة أو على ﺿفة الجھاد أن يسارعوا إلى بعضھم البعض لبلورة رؤية‬ ‫واستراتيجية شاملة وجديدة تتناسب وتتجاوب مع ھذا المتغيرات أو بمفھوم شرعي بلورة‬ ‫اجتھاد جديد يحدد مسارات التجاوب لكل تلك التحديات والتعامل معھا فلم تعد األنظمة‬ ‫السياسية في العالم السياسي مجرد أنظمة قطرية بل ھي منظومة تحكمھا معطيات‬ ‫التحوالت في النظام العالمي الذي لم يعد بدوره يصلح ألن يرد ألحد من البشر حقه وھو‬

‫‪52‬‬


‫لم يكن كذلك من قبل لكن الدعاية سربلته بھذا االتجاه وھنا يطرح السؤال التالي نفسه‪:‬‬ ‫ھل باتت االجتھادات القديمة صالحة للتعامل مع واقع المسلمين ومتغيراته؟ تلك‬ ‫االجتھادات التي بنيت على معطيات وعوامل قد تغير أغلبھا وتبدل؟‬ ‫ھذا ما يسره ﷲ عز وجل من بحث ونظر في مسألة السياسة والجھاد وعالقتھما باألداء‬ ‫اإلسالمي الكلي وقد بذلت وسعي لكي أنصح خاصة المسلمين وعامتھم من خالل ھذه‬ ‫الصفحات فما كان من خير وتوفيق فھو محض فضل من رب العالمين وما كان من خلل‬ ‫وشطط فھو من نفسي والشيطان واستغفر ﷲ الغفور الرحيم منه ومما تجرأت على القول‬ ‫به‪.‬‬ ‫كتبه الفقير إلى ربه‪ /‬حسن أحمد الدقي‬ ‫‪ ١٧‬ربيع اآلخر ‪١٤٢٩‬ھـ‬ ‫‪٢٠٠٨/٤/٢٣‬م‬

‫‪53‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.